​مهمة إنقاذ المجلس

منبر عدن - متابعات

يتابع اليمنيون بقلق وحيرة الأخبار التي تتواتر عن الخلافات داخل مجلس القيادة الرئاسي، الذي كان كثيرون يتصورون أنه سيشكل مخرجاً آمناً من حال الانسداد والعقم السياسيين اللذين وصل معهما الوضع اليمني إلى الركود، وبلغت الحياة السياسية حالاً من الغيبوبة الحرجة.

جرت ترتيبات تكوين "المجلس" فجر السابع من أبريل 2022، بعد قناعة إقليمية توصلت إلى نتيجة مفادها بأن الحل العسكري أثبت فشله، ولم يعد مطروحاً ضمن ملفاتها، ولا مسموحاً به في الدوائر الدولية، ومن هنا تجددت الهدنة التي بدأت في الثاني من أبريل 2022، ثم تجددت في الثاني من يونيو، ثم مرة ثالثة في الثاني من أغسطس، ثم دخل اليمن بعدها إلى وضع التمديد الفعلي غير المعلن.

في التاريخ السياسي اليمني الحديث جرت ترتيبات لنقل السلطة بطريقة تقترب حد التشابه مع ما جرى في السابع من أبريل 2022، إذ قادت هزيمة الجيش المصري في الخامس من يونيو 1967 إلى حدوث تقارب سعودي - مصري نتج عنه تخلي مصر عن مساندة الرئيس الراحل المشير عبدالله السلال، بالتالي تغاضت عن إزاحته من منصبه باعتباره عقبة أمام تحسن العلاقات بين مصر والسعودية، ولأن القوى الفاعلة حينها كانت تجاهد لتغييره بحيث يصبح القرار الداخلي يمنياً ووطنياً خالصاً، وهكذا اتفق الطرفان الخارجيان الفاعلان على تسهيل نقل السلطة إلى القوى السياسية والقبلية والعسكرية في اليمن.

وكان من آثار هزيمة يونيو حدوث تفاهم مصري - سعودي، فأطلق عبدالناصر سراح 60 من القيادات اليمنية المعارضة للوجود المصري في اليمن من السجن الحربي في مصر الذي احتجزوا فيه لأكثر من عام، وعاد معظمهم إلى اليمن، وجرى الاتفاق على تشكيل مجلس جمهوري ترأسه القاضي عبدالرحمن الإرياني وأربعة أعضاء (أحمد محمد نعمان، وحسن العمري، ومحمد على عثمان، وعبدالسلام صبرة) في الخامس من نوفمبر 1967.

 

وبدا ما حدث في السابع من أبريل نسخة مكررة، إذ لم يكن قراراً يمنياً خالصاً، ولم يكن المشاركون في مشاورات الرياض يعلمون إجراءات الساعات الأخيرة من فجر السابع من أبريل، ولا أحد يدري إن كان لأي من الأعضاء الثمانية دور في الإعداد والإخراج.

إذا تجاوزنا كيف وصلنا إلـى هذا الموقف فمن المهم والحيوي الوقوف بجدية وصرامة أمام الأمر الواقع الجديد، وتقبله على علاته، إذ من الصعب حالياً حتى مجرد التفكير في تغيير مساره، أي إن المطلوب التعامل معه والعمل على تعديل أدائه وتقليص نقاط ضعفه، ويبقى السؤال الأزلي: كيف يمكن أن يتم ذلك؟

لا بد هنا من تكرار التذكير بأن تعديل شكل "المجلس" غير ممكن يمنياً، وغير مقبول إقليمياً، لأن التوصل إلى هذه الصيغة كان إجراء استثنائياً من الصعب، إن لم يكن من المستحيل تكراره، بل يمكن القول إنه كان خياراً "نووياً" صاعقاً لا مجال للبحث في استخدامه مرة ثانية، فمشروعية "المجلس" الحالي ما زالت تثير جدلاً قانونياً وأخلاقياً يصعب تجاوزهما والتغاضي عنهما، بخاصة أنه لم يحقق إنجازاً وطنياً عظيماً، ومن المؤكد أنه عاجز عن تحقيقه في ظل المناخ المسموم الذي يعمل فيه.

 

كان من الواضح أن طريقة اختيار الأعضاء الثمانية فجر السابع من أبريل جرت على قاعدة امتلاك بعضهم قوة مسلحة، معروف أن كامل تمويلها وتسليحها غير يمني، وهذا يعني أنها ببساطة لا تتحكم كلية بقراراتها وتحركاتها، وهي جميعها غير خاضعة لسلطة وزارة الدفاع ووزارة الداخلية، وجاء اختيار بعضهم الآخر بغرض التمثيل المناطقي، وإن لم يكن مبنياً على شعبيتهم في تلك المناطق التي جاؤوا منها. وكان من نتيجة ذلك أن أصبح الخليط غير متجانس الأهداف المبتغاة والوسائل لتحقيقها.

 

أعود إلى محاولة الإجابة عن السؤال الذي يدور بين عديد من السياسيين اليمنيين عن كيفية إنقاذ "المجلس".

المبدأ البسيط يقول إن أي كيان لا يمكنه أن يحقق إنجازاً من دون ضبط دقيق لإيقاع العمل، وتحديد المسؤوليات والصلاحيات، وحتى لو افترضنا حسن نوايا أعضاء "المجلس"، فمن غير الممكن التعويل عليها لتسيير عمله.

 

ومن البديهيات في أعمال الدولة أن يعلم الحاكم والمحكوم دور كل طرف في المعادلة الوطنية، وإلا أصبح الأمر معضلة مستعصية، ولقد ذكرني صديق عزيز قبل أيام بأنه توصل إلى أن معالجة الأوضاع في اليمن تجري بحسب القول المعروف لليمنيين (ما بدا بدينا عليه)، أي أن المعالجات لا تتم بالحسم واتخاذ القرار في حينه، بل بمعالجة الآثار المباشرة وترك المشكلة على أمل اختفائها اليوم التالي.

إن استخدام سياسة المداراة والترحيل، وعدم المواجهة الصريحة، وانتفاء الهدف الوطني (لا أقول وطنية الأعضاء)، والاعتماد على توزيع الهبات، والإكثار من التعيينات العبثية، واستمرار الهرب من البلد تحت أي مبرر، كل هذه الحقائق لا يمكن أن تسهم في السير نحو الخلاص من كابوس الحرب الجاثمة على أنفاس اليمنيين وآثارها المدمرة حاضراً ومستقبلاً. وإنني على يقين من أن التهرب من وجوب إنجاز اللائحة التنظيمية لأعمال "المجلس" سيزيد الأمور تعقيداً، ولا أريد أن أصدق التسريبات التي تزعم أن هناك من يعرقل إصدارها، لأن ذلك سيعني حتماً الرغبة في إبقاء الأوضاع على شكلها الهلامي الذي سيؤدي من دون شك إلى تصدع فتفكك الكيان كاملاً. ويكفي أن نسأل وهذا حق لنا: ماذا يفعل الأعضاء الثمانية كل يوم؟ وماذا قدموا للناس من ثمانية أشهر؟ غير الصور البالية والتصريحات البلهاء والسفريات الترفيهية.

 

إن أي تفكير خارج نطاق توزيع الصلاحيات والواجبات على أعضاء "المجلس" المتناثرين خارج البلاد عدا واحد منهم (طارق صالح) سيزيد من الإسراع في تآكل الكيان الهزيل.