كروية الأرض بين الحقائق العلمية وأوهام جماعة الأرض المسطحة

نشر الدكتور نادر سعد العمري، على صفحتة في (الفيس بوك) منشوراً تحدث فيه عن جدلية "الأرض كروية أم مسطحة" وأكد العمري أن كروية الأرض حقيقة محسومة منذ زمن بعيد جدا.

نص منشور الدكتور نادر العمري:

مما صدمني في هذا الفضاء الرقمي وجود أقوام في الشرق والغرب يسمون أنفسهم بالمسطِّحين، أو جماعة الأرض المسطحة، يعتقدون بتسطيح الأرض وعدم كرويتها! ويستدلون بحجج لا ترقى لأن تنقص الأدلة والبراهين الثابتة المستقرة على حقيقة كروية الأرض.

وكروية الأرض حقيقة محسومة منذ زمن بعيد جدا، من عهد بطليموس ومن قبل بطليموس، وكانت هذه الحقيقة متفقا عليها عند جميع علماء الفلك والطبيعة والجغرافيا في الحضارة الإسلامية، وبناء عليها استطاع العالم الرياضي والفلكي محمد بن موسى الخوارزمي وأخواه حساب قطر الأرض بدقة في زمن المأمون العباسي قبل اثني عشر قرنا. وفي القرن السابع الهجري وضع الشريف الإدريسي خريطة لقارات العالم القديم على كرة فضية تمثل أنموذجا للأرض، هي من أدق الخرائط قبل العصر الحديث، ما زالت باقية وشاهدة.

... كروية الأرض أيضا حقيقة قررها أغلب الرحالة والمؤرخين المسلمين عبر العصور، ومن الناحية الفقهية تحدث عن كروية الأرض وقررها وأثبتها أمثال شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم والخطيب الشربيني وغيرهم، ولم يزعموا أن هذا مخالف للقرآن وهم من أعلم الناس به، وهم يعلمون أن وحي الله لا يتناقض مع خلقه. بل شرحوا ظاهرة الكسوف والخسوف كما يشرحها الفلكيون، وسأنقل في الصورة المرفقة نص كلام الخطيب الشربيني الشافعي، من علماء المسلمين في القرن العاشر الهجري (السادس عشر الميلادي) وهو يشرح هذه الظاهرة في شرحه على منهاج الطالبين في فقه الشافعية المسمى (مغني المحتاج).

... ولا ننس أن النموذج الذي وضعه الفلكي العالم ابن الشاطر الدمشقي في القرن الثامن الهجري، وتصحيحه لنظرية بطليموس في حركة الكواكب، في كتابه: نهاية السول في تصحيح الأصول، وخصوصا لحركة كوكب عطارد حول الشمس، هو الذي انطلق منه العالم الرياضي البولندي كوبرنيكوس بعد ذلك بقرنين، إذ وصلت مؤلفات ابن الشاطر إلى بولندا قبل زمن كوبرنيكوس، ومشكلة الأوربيين في عصر نهضتهم أنهم نقلوا كثيرا عن المصادر العربية دون أن يشيروا إليها.

والغريب أن نشأة جماعة التسطيح كان في الغرب، وخصوصا في أمريكا، وصارت لهم شبكةضخمة من المواقع وقنوات يوتيوب وصفحات التواصل، وصار لهم أتباع كثر يؤمنون بفكرتهم في كل أصقاع الأرض، والمؤسف أن يحتج بعض المقتنعين برأيهم بالقرآن على زعمهم، وهم ليسوا من أهل العلم بالقرآن ولا بلغة العرب، وليس في القرآن ما يدل على ما زعموه، بل إنه لفت الأنظار إلى الكون وأمر بالتفكر فيه وإعمال العقل في آياته... فإن قال قائل: كيف تقول في تفسير قوله تعالى: ((وإلى الأرض كيف سُطِحت)) فالجواب: أن الآية تدعو للتفكر في كيفية تكوين الأرض، وحقيقة هذا السطح الكبير الواسع الذي يعيشون عليه، فهي سطح باعتبار سعتها ورؤية الناس لها وتقلبهم فيها، وما زلنا نقول: (سطح الأرض) إلى اليوم، فالأرض كروية، ولها سطح كبير واسع، تتوزع فيه القارات والمحيطات، والآية تدعونا للتأمل في هذا السطح وما فيه من الآيات والعجائب الباهرة.

العلم البشري يتجدد، ويتطور، وما هو اليوم حقيقة ستتجلى فيه غدا حقائق أخرى تزيده جلاء ووضوحا، والإنسان فيه طبيعة الفضول المعرفي والبحث الدؤوب الدائم، وقد كرمه الخالق بالعقل فجعله سيدا على الكائنات، وخليفة في الأرض، وصاحب العقل لا يضيق ذرعا باكتشاف أسرار المخلوقات، وقلبه يخفق إيمانا بالذي له الخلق والأمر.

والله من وراء القصد.

وكتبه: نادر سعد العمري 
١٣ ربيع الأول ١٤٤٦
١٦ سبتمبر ٢٠٢٤م

___________

الصورة أدناه نص كلام الخطيب الشربيني الشافعي، من علماء المسلمين في القرن العاشر الهجري (السادس عشر الميلادي)