تسلط الحوثي.. المعنى الحقيقي للضياع
شهد اليمن في تاريخه الحديث محطات صراع مع الاستبداد بألوانه وأشكاله المختلفة. وكان استبداد نظام العصبية العنصري أكثرها دموية وتخلفاً.
وفي كل محطات الصراع تلك، كان الإنسان اليمني وما يتعرض له من اضطهاد وقمع، يتفوق بنضاله من أجل إبقاء اليمن حاضناً للمشروع الوطني الحامل لهويته وشخصيته، والحامي لكرامته.
وفي حين آوى اليمن الأعراق الأخرى التي قدمت إليه، ووهبها الأمن والأمان، ووفر لها سبل العيش والراحة، فقد سجن اليمني واضطهد وأعدم وشرد وتغرب. لكن المشروع الحامل لهويته وكرامته ظل يرتحل معه في سجنه وفي غربته؛ ينمو ويتصلب بالاضطهاد والظلم والجوع والإهمال الذي تعرض له جيلاً بعد جيل.
ويوم جاء الحوثي من أنبوب مهمل وهامشي من أنابيب ذلك الاستبداد العنصري، ومن شريان متقيح من شرايين الفساد، كان يعتقد أنه قادر على كسر هذا اليمني الذي تصلب داخل هويته بكل ما عاناه من ظلم وعذاب وتشرد وغربة. وبدون حياء أو خجل راح يجمع أشتات عصبته من الحارات والمتاجر والمؤسسات والقرى النائية ليجرف كل ما كان قد بذر من فيها من "يمن"، ويشحنها عوضاً عن ذلك بعنصرية البيعة والولاء لعصبة مجهولة الهوية، رفضت خيار المواطنة، وتمسكت بخيار العصبية المستولدة من رحم تاريخ مشبوه، كتب بدماء اليمنيين وعرقهم ومعاناتهم. وراح يسلحها بدعم إيراني وجد فيه حليفاً أقل كلفة وأشد طاعة من غيره، ويطلقها كمراجل تفور حقداً لتحرق الأخضر واليابس، وتدمر هذا البلد في عمل لا يقدم عليه إلا من كان مسكوناً بركام من الاضطراب النفسي الناشئ عن معاناة من النقص داخل منظومة عائلات العصبية ذاتها، والتي لا تراه سوى منتجاً هامشياً لا يرقى إلى مستوى أن يقودها أو يعبر عنها.
كان شعوره بأنه يتشكل خارج المراكز "الرئيسية" في العصبية باعثاً لجعله يحتشد بالحقد كتعويض عن هذا النقص، وانعكس ذلك في التمسك ببناء منهج خاص لا يمكن تعريفه إلا بأنه عشوائي مضطرب، يجسد احتقاناً ضد الثقافة السياسية التي أخذت تنشئ قواعد عامة للمواطنة والقوانين المنظمة لذلك.
وأصبح السؤال عن اسباب هذا الموقف المعادي من "المواطنة" سؤالاً مبتذلاً، ذلك أن الحوثي هو أحد مخرجات الثقافة العنصرية الرافضة للمواطنة والمتمسكة بالتميز.
أخذ هذا المنهج المضطرب يعيد بناء الشخصية الملتحقة به بناء استعلائياً شاذاً. ولن يكون اعدام تسعة مواطنين يمنيين أبرياء بتلك الوحشية سوى إحدى تجليات هذا السلوك الذي يدمر اليمن ويقذف به إلى الضياع.
إن هذه الظاهرة ، التي أخذت تتجلى في صور مختلفة من هذا السلوك الدموي الشاذ ، تضع اليمن على خارطة مختلفة من الصراع ، فنحن أمام جماعة قررت أن تبقي اليمن في حالة حرب دائم ، ذلك لأن بقاءها مرتبط باستمرار الحرب ، وهي على هذا الطريق لا تتردد في أن تطلق الصواريخ الباليستية على التجمعات المدنية ، وتمارس القتل الجماعي ، ولا يعنيها شيء أن يدمر اليمن وأن يفتك الجوع والمرض والتشرد بأبنائه .
استمرار الحرب على هذا النحو يؤذي إلى تفكيك بنى المجتمع تفكيكاً يمكنها من إعادة هيكلة مؤسساته الاجتماعية والسياسية والثقافية على النحو الذي تتآكل معه الروابط الوطنية، وإخماد كل دينامياته الداخلية، وسجنه من ثم داخل منظومة القمع والاستبداد طوعاً وكرهاً. والمتتبع لهذا النمط من الجماعات العنصرية التي تستدعي عصبتها العنصرية لتبرهن تفوقها العرقي المزعوم، يجد أنها ستواصل الحرب بأي ثمن، وتحت أي عنوان، وإغراق المجتمع بالصراع تحت ذرائع ورايات مختلفة لأن ذلك هو الضامن الوحيد لتمكنها من استئصال " الوطن" من الوعي المجتمعي لتزرع محله العصبية، والطائفية، والولاءات التي يسهل تعبئتها لإغراق اليمن في سديم الاحباط والتخلف.
اليمن اليوم أمام حقيقة من حقائق الحياة وهي ضرورة استعادة الوعي بما يمثله مشروع الحوثي من خراب لليمن واليمنيين، والتوقف أمام كل الخلافات بمسئولية قبل أن تعيد هذه الخلافات المرحلة ترتيب الاولويات من منظور تختفي معه هذه الحقيقة ويسقط اليمن في الضياع.
وفي ظل تسلط الحوثي سيعرف اليمنيون معنى الضياع.