العبودية في ثوب الوظيفة
إن العبودية عرفت منذ القدم فقد كان يتم بيع العبيد من الجنسين ليتم استخدامهم في مختلف نواحي الحياه, والعبودية تعرف على انها حالة يعتبر فيها شخص أو مجموعة من الأشخاص ملكا للغير بحيث يحرم فيها اولئك الأشخاص من التمتع بحريتهم الطبيعية بمعنى للمالك الحق في التصرف فيهم فيمنع خروجهم او دخولهم الا بأذنه او الاتجار بهم وبيعهم في سوق النخاسة او يوكل اليهم انجاز الأشغال الصعبة والشاقة او خوضهم الحروب, وإجبارهم على تتفيد اوامر ضد إرادتهم وكرامتهم ويتعرضون للحرمان من ابسط حقوقهم وربنا يتم إزالة أعضائهم او اخصاءهم بالإكراه وكل ذلك مقابل إيوائهم وإطعامهم.
وكان في القدم يتم استرقاق أو استعباد الناس بعد اختطافهم من مواطنهم، أو يهدي بهم مالكوهم أو يأسرون في الحروب او بعضهم عبيد على أساس "النسب: حيث ان عائلاتهم تنتمي إلى طبقة من "العبيد". والمالك هو شخص يمتلك المال والسلطة والنفوذ التي تمكنه من دفع قيمة العبد. وربما يستمر العبيد على ذلك الحال طوال حياتهم او ربما يصبحون احرارا فقط عندما يموت مالكيهم.
ويرجع تاريخ العبودية لأزمان ما قبل التاريخ وقد ارتبط ظهورها مع ظهور وتطور الزراعة والصناعة وازدياد الحاجة الى الايادي العاملة فقد لجات تلك المجتمعات الى استخدام للعبيد للإنجاز تلك المهام. فقد استعبد فرعون واصحابه بني اسرائيل فكان يستحيي نسائهم ويقتل أبنائهم بعد ان سمع نبوءة تقول ان واحدا من أبناء إسرائيل سيسقط فرعون مصر عن عرشه الى درجة انه بعد هذا القرار لاحظ مستشاروه ان اعداد الذكور من بني إسرائيل يتناقص بشده فالكبار يموتون بآجالهم والأطفال يذبحون وهذا من شانه ان يضعف مصر بسبب قلة الأيدي العاملة وعدم مقدرة اصحاب فرعون بالقيام بتلك الاعمال بأنفسهم و التي كانت تعتمد بالأساس على المستعبدون من بني إسرائيل. وهو ما جعل فرعون يعدل في قراره بحيث يتم ذبح المواليد الجدد من الذكور في عام ويتركونهم في العام الذي يليه, وهذا يجيب عن التساؤل الذي كان يراودنا منذ الصغر عن كيفية نجاة سيدنا هارون اخو موسى عليهم السلام, فقد وضعته أم موسى في العام الذي لا يقتل فيه الاطفال.
وفي عصرنا هذا مازالت العبودية واصبح ينتقى لها أسماء لامعه واصبحت حكرا على الشركات والمؤسسات بعد ان كانت العبودية للأفراد قديما وبالرغم من تغير مسمياتها فهي متسترة وراء أشكال متعددة مثل الاتجار بالبشر والتمييز العنصري والتهميش الاجتماعي والزواج القسري وعبودية الديون والوظيفة وغيرها. وهنا ساستطرد بنكته, استوقفتني كنت قد سمعتها يوما ما , حيث تحكي عن شخص من اخوتنا المصرين الذين اكن لهم كل الحب والتقدير والاحترام ,كان يشتعل في احد دول الخليج بمهنه راعي اغنام , وعندما كانوا يسالوه اهله عن طبيعة عمله كان يخبرهم بانه يفسح الماعز, انتهت النكتة سوا فسحت او رعيت الاغنام فهو واحد ونحن هنا لا نستهين او نستنقص ولا نعيب من هذا المهنة فقد كان قدوتنا ومعلمنا وحبينا محمد صلى الله عليه وسلم راعيا للأغنام, ولكن الشاهد في الموضوع هي ان تغيير المسمى لا يوثر في جوهر الشي وكما قال الشاعر (لأسد أسد وإن كلت مخالبه والكلب كلب وإن طوقته ذهبا).
وفي وقتنا الحاضر وبالرغم من التكنولوجيا الحديثة التي نراها اليوم الا انه لم نعد نسمع او نرى اختراعات جديده تبهر العالم مثل الكهرباء والصاروخ والمركبة الفضائية والاله الحاسبة وغيرها وكل ما نراه هو نتاج لتطوير ذلك الختراع المذهل وهي الاله الحاسبة فعلى مبدا وطريقة عملها جاء الكمبيوتر وتطورت احجامه واشكاله وتطورت منها الاجهزة الذكية الاخرى , حيث لا يوجد مخترع معروف للأجهزة الحديثة مثل الكمبيوتر. وفي السنوات الاخيرة سيطرت الشركات العمالقة على معظم العلماء وافكارهم مقابل حفنه من الدولارات وصرنا نسمع عن تطوير الشركة الفلانية لمحمول او هاتف او اي من الأجهزة الذكية دون ذكر اسماء العقول التي ابتكرت وعملت في الليل والنهار في المؤسسة لتظهرها بالشكل الذي تكون جاهزة للاستخدام في الاسواق ومن هنا تأتي العبودية الفكرية. ومثال اخر عندما تجد فنانا مشهورا او اعلاميا بارزا او امراه شبه عاريه تبرز مفاتنها على القنوات الفضائية حيث تتم استضافتهم من اجل ان يبدوا رائيهم في موضوع ما وربما الراي مكتوب او يتم املاءه عليهم او تلقينهم بكل ما يقولوه.
ولو عندنا الى الوظيفة فهناك عبودية من نوع اخر وهي العبودية تحت عباءة الوظيفة, حيث يتم استغلال حاجات الناس وفقرهم وخصوصا في مجتمعنا اليمني الذي وفرت الحرب التي طال امدها في البلاد وانهكت البلاد والعباد بالإضافة الى جائحة كورونا الظروف المثالية لنمو العبودية حيت استغلت كثير من الشركات والمؤسسات الخاصة تلك الظروف باستقطاب اولئك الناس بحيث يجبر فيها الموظف على التوقيع على عقد عمل فيه الكثير من الشروط القاسية والتعجيزية فتجده يعمل للمؤسسة في الليل والنهار داخل المؤسسة وفي المنزل فتجد النساء يحسدن تلك المؤسسات على الوقت والاهتمام الذي تحضي به من قبل ازواجهن ويتمنين ولو واحد بالمئة من ذلك الاهتمام. واحيانا قد تسلب كرامته ذلك الموظف ولا يراعى فيها درجته العلمية او مكانته الاجتماعية او عمره وربما التقليل من شانه بتكليفه بمهام خارج عن تخصصه واستنزاف طاقته, فتجد بعض المؤسسات وبالرغم من الشكليات التي تستخدم للاستهلاك الاعلامي لا توجد فيها ادنى معايير الشفافية ولا تلتزم بمعايير الكفاءة في اختيار موظفيه, فتجدها تختار موظفيها على اساس مذهبي او عقائدي او حزبي او مناطقي لذلك فهي توظف من تشاء وتسرح من تشاء وترقي وترفع قدر من تشاء وتذل وتهين من تشاء وكله يعتمد على مدى رضى مسؤوليها عن اولئك الناس. فتتحكم المؤسسة بموعد دخول الموظف وخروجه حتي وان لم يكن لديه ما يقوم به من اعمال, فلابد من حضوره وبقاءه فيها حتى موعد الانصراف ولو حتى لشرب النسكافيه او تبادل النكت مع زملائه في العمل.
عامل اخر ساعد في وجود العبودية الحديثة في بلادنا والوطن العربي ككل وهو عدم الاهتمام بموظفي القطاع الحكومي فتجده يعمل بمرتب لا يكاد يكفي ايجار المواصلات او قيمة ابسط السلع الضرورية من المواد الغذائية , وخصوصا في ظل الارتفاع الجنوني للأسعار الذي تسابق فيه سرعة الضوء , وهذه الاسعار التي ترتفع بمبرر ارتفاع العملة الا انها مستحيل تنزل وحتى وان نزلت العملة, لأنه لا يوجد حسيب ولا رقيب على التجار , وكل هذا دفع الكثير من موظفوا المؤسسات الحكومية في مختلف التخصصات الى النزوح والبحث عن عمل في المؤسسات الخاصة ليتم فيها استغلال حاجتهم واستعبادهم بتلك الشروط السالفة الذكر, فيضطروا مجبرين للقبول بتلك الشروط كي يتمكنوا من سداد الديون المتراكمة عليهم او دفع الايجارات التي اصبحت بالعملة الصعبة. وبالرغم من الراتب الضئيل للغاية في المؤسسات الحكومية ومنها المدارس والجامعات الا ان هناك مدراء في بعض تلك المؤسسات استغلوا الظروف التي تم بها البلاد وجعلوا من الوظيفة وسيلة للتهديد والضغط والابتزاز وخصوصا مع اولئك الغير قادرين على العودة الى جامعاتهم او مدارسهم بسبب الاوضاع الامنية حيث يتم تصنيفهم لمجرد اسم او مكان ميلاد او تصنيفات مناطقية او مذهبية ليتم تهديدهم وابتزازهم اما بالحضور ومباشرة العمل او قطع مرتباتهم والتي هي بالأساس لا شيء وكما قال عادل امام " ثم انا ماعنديش تلفون", وهما امران احلاهما مر. وفي الاخير ,نسال الله تعالى العلى القدير في هذه الايام المباركة ان يبلغنا رمضان شهر الرحمة والمعفرة, لا فاقدين ولا مفقودين وان يرفع عنا وعنكم الوباء والبلاء وان يصلح احوالنا واحوالكم وأن يجعلنا واياكم من عتقائه من النار، انه على كل شيء قدير (( اللهم امين)).
الدكتور علي ناصر محمد جبران اليافعي
استاذ الأحياء الدقيقة الجزيئية والتشخيصية المساعد