المكونات والمجالس الجنوبية حقيقية أم مُصَنَّعَة؟
مع تكاثر نشوء وإعلان المزيد من المكونات والمسميات السياسية والمناطقية والجهوية الجنوبية، يزداد المشهد السياسي الجنوبي تشوشاً واضطراباً، لكن فحص الأمر في مختبر الفرضيات والمعطيات والحقائق سيمكن المتتبع من استجلاء ما وراء هذا المشهد المشوش.
أبرز المواقف تجاه ظاهرة تكاثر المكونات والمجالس الجنوبية تتمحور في اتجاهين قصويين:
الأول القائم على التأييد المطلق، لهذا المهيآت والمجالس حديثة التكوين ، ومن عجائب هذا التأييد الصادر من بعض أبناء ووجهاء تلك المناطق التي تتحدث باسمها تلك المكونات والتشكيلات أنه يأتي متزامناً مع حملة تأييد إعلامية من قبل قادة سياسيين وناشطين إعلاميين وبرلمانيين شماليين ممن يجاهرون بعدائهم المطلق للقضية الجنوبية ومطالب الشعب الجنوبي باستعادة دولته، وهذا المؤشر يضر بتلك المكونات من حيث يعتقد المؤيدون انهم يفيدونها.
والموقف الثاني الأبرز يتمثل في اتهام تلك الأشكال والمكونات بإنها صناعة أجنبية وأنها تستهدف وأد القضية الجنوبية والتآمر عليها.
شخصياً لست من الميَّالين إلى رمي الاتهامات والشتائم جزافاً، وكما قلت في منشور سابق إن هناك معايير أساسية لمدى جدية أي مكون من المكونات أو مجلس من المجالس في الانحيازإلى شعب الجنوب وقضيته العادلة وأهم هذه المعايير يكمن في الرد على الأسئلة التالية:
1. ماذا سيضيف هذا المكون أو ذاك لصالح الجنوب وقضيته الوطنية العادلة؟
2. بماذا سيختلف هذا المكون أو ذاك عمن سبقه من المكونات والتشكيلات القائمة سواءٌ على الصعيد الجنوبي أو على صعيد المنطقة والقبيلة والمحافظة التي يتحدث باسم أهلها؟
3. ما موقف هذا المكون أو ذاك التحالف من نتائج حرب 1994م على الجنوب والحديث هنا عن نتائج تلك الحرب وليس الأشخاص والأسماء الذين لأسباب أو أخرى وجدوا أنفسهم في صف الغزاة، لكنهم لم يلبثوا أن تحولوا إلى ضحايا لهذه الحرب بمجرد تحقيق الغزاة أهدافهم الخفية، نحن نقصد تلك النتائج التي ما تزال تمثل رافعةً للنظام السياسي والدستوري الذي صنعته تلك الحرب والذي تدار به الأراضي والثروات والمناطق والنواحي والشعب في جميع أرجاء الجنوب؟
4. ما موقف هذا المكون أو ذاك من مطالب الشعب الجنوبي باستعادة دولته الديمقراطية التعددية الفيدرالية؟
5. هل يؤمن هذا المكون أو ذاك المجلس أو التحالف بحق وجود الآخرين والعمل المشترك معهم من أجل الأهداف الوطنية الكبرى وهل يقبل بمبدأ التعدد والتنوع والتنافس السياسي والاختلاف في الرأي والموقف؟
وفي ضوء الموقف من هذه القضايا فإنه يمكن الحكم ليس فقط على تبنيه لقضايا الجنوب والجنوبيين بل وأهليته للبقاء على قيد الحياة وقدرته على مواكبة التطورات المرتقبة فيما يخص المستقبل الجنوبي من عدمها.
وبالعودة إلى تهمة التبني من الخارج وما يسميه البعض بتصنيع هذه المكون أو ذاك معمليا فإن معظم الاتهامات تتجه نحو الشقيقتين الخليجيتين السعودية والإمارات.
وفي حقيقة الأمر فإن تهمة التبعية للخارج قد وجهت للمجلس الانتقالي الجنوبي منذ الأيام الأولى لإشهاره وما يزال سياسيون وإعلاميون أشقاء يكررون هذه التهمة تجاه المجلس باعتباره صنيعة دولة الإمارات العربية المتحة، رغم النجاحات التي حققها والطريق الوعر الذي سار عليه منذ يوم إشهاره، ورغم النجاح الإقليمي والدولي الذي حققه الذي بلغ حد اعتراف الخصوم قبل الأصدقاء بأهمية حضوره في الحياة السياسية واعتباره القوة السياسية الجنوبية الأبرز للتعبير عن إرادة الشعب الجنوبي دون إلغاء أو تهميش سواه من الجنوبيين.
لكن الجديد هذه المرة هو اتهام الأشقاء في المملكة العربية السعودية بأنهم من يقف وراء تشكيل تلك المكونات المناطقية والجهوية ، وأكثر من يروج هذه الاتهامات هو الأعلام الإخواني المنطلق من مدينة إسطنبول التركية والذي يتحصل القائمون عليه على نصيب الأسد من التمويل السعودي، وتلك مفارقة أخرى تستحق وقفة مستقلة.
ولأنه لا يحق لأحد التحدث باسم السعودية أو نيابة عنها، إذ لديها كتابها ومثقفوها ومراكزها البحثية والإعلامية ومتحدثوها الرسميون، فإن ما يمكن التوقف عنده هنا هو ما كنت قد سجلته من الملاحظات بمناسبات سابقة وأهمها:
1. إن السياسة السعودية اليوم لم تعد سياسة الستينات والسبعينات ولا حتى الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي، ولم يعد الأشقاء يبحثون عن أنصار وهميين أو جماعات تجار المواقف السياسية بعد أن أدركوا الفارق بين الحلفاء الحقيقيين الذين يقفون المواقف الواضحة والصادقة في السراء والضراء وبين الأنصار الزائفين الذين يبنون مواقفهم ويغيرونها حسب التغير في حساباتهم البنكية والوارد إليها من الهبات السعودية.
2. في تصوري أن الأشقاء في المملكة قد تعلموا الكثير من دورس لتحالفات التي أقاموها مع اليمنيين، فمنذ احتضانهم للملكيين ومنهحهم الجنسيات وتقديم الدعم لهم أثناء الحرب الأهلية اليمنية، حتى تبنيهم لمجاميع المشائخ والوجهاء بدءا ببعض عقال الحارات وانتهاءً بكبار القادة العسكريين والسياسيين بمن فيهم الرئيس علي عبد الله صالح، لم يثمر كل هذا التحالفات وكل الدعم السخي سوى عن مجاملات كلامية، كانت نهايتها الفعلية تسليم البلاد وكل مقدراتها المادية والعسكرية والبشرية لأحفاد الأسرة الملكية الذين كافأوا المساندة السعودية بقصف المنشآت والأحياء والمدن السعودية بصواريخ سكود والطائرات المسيرة المقدمة لهم من إيران.
3. ومن البديهي أن هذه التجارب المرة للتحالفات السعودية مع اليمنيين توصِّل كل باحثٍ أو ناشطٍ سياسي أو إعلامي إلى نتيجة مفادها إن التحالفات المصنَّعة معملياً والحلفاء ومكوناتهم المعدة كيفما أتفق لن تكون ثمرتها إلا الخيبات المتواصلة وأن الشركاء الحقيقيين هم أولائك الذين يتقاسمون السراء والضراء مع الأشقاء في دول التحالف، وهم بالتأكيد أصحاب الحضور الجماهيري الميداني ومن لهم حاضنة اجتماعية واسعة على الأرض، وليس أولائك الباحثين عن دور ما يقوم على ادعاءات وأوهام لا حضور لها إلا في رؤوس أصحابها وفي أحسن الأحوال في أرشيف التاريخ الغابر العصي على الاسترجاع.
والله من وراء القصد.