نصاب جريمة السرقة الحدّية بالجرام

منبر عدن

اتفق جمهور فقهاء الشريعة الاسلامية في وجوب النصاب لجريمة السرقة الموجب فيها الحد ـ قطع اليد من الرسغ ـ  ولكنهم اختلفوا في تقديره ، فذهب الغالبية منهم الى القول بأن النصاب هو ربع دينار من الذهب المضروب أو تقدّر قيمته بالنقد المتداول ، كما جاء في الحديث المتفق عليه بقول النبي صلى الله عليه وسلم : { لا تقطع اليد الاّ في ربع دينار فصاعداً } وهو ما ذهب اليه الشافعية ، والإمام مالك ، ورواية للإمام أحمد بن حنبل ، وقول عائشة رضي الله عنها ، وعمر بن عبدالعزيز ، والأوزاعي ، والليث ، وأبي الثور ، ونقل عن عمر ، وعثمان ، وعلي رضي الله عنهم .. بينما قال آخرون بأن النصاب هو دينار كما جاء في الحديث الذي أخرجه الطبراني في الأوسط عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { لا تقطع اليد الاّ في دينار أو عشرة دراهم ) وهو ما ذهب اليه الامام أبو حنيفة ، والزيدية ، وقول ابن عباس ، وابن مسعود ، وعطاء ، وسعيد بن المسيب ، وسفيان الثوري وغيرهم .. في حين ذهب فريق آخر بأن النصاب يستوي عندهم كان قليلاً أو كثيراً كالظاهرية والخوارج.

وجريمة السرقة الموجب فيها الحد ( قطع اليد ) لا تتحقق الا بتحقق أركانها وشروطها وانتفى موانعها ، فأركان جريمة السرقة أربعة: (1) الأخذ التام خفية ويسمى بالركن المادي ويشترط فيه أن يخرج السارق الشيء المسروق من حرزه المعد لحفظه، وأن يخرجه من حيازة المجني عليه، وأن يدخل السارق الشيء المسروق في حيازته. (2) أن يكون المأخوذ مالاً ويشترط فيه أن يكون مالاً منقولاً، وأن يكون متقوّماً ، وأن يكون مالاً محرّزاً ، وأن يبلغ نصاباً. (3) أن يكون المال المأخوذ مملوكاً للغير ، ويشترط في القطع إن لا يكون المال المسروق يملكه السارق قبل إخراجه من الحرز ، كما لا قطع فيما إذا كان المال المسروق غير مملوك لأحد كالمباح والمتروك أو كان للسارق حق الانتفاع فيه أو له فيه شبهة الملك ، ولا قطع في سرقة مال المجني عليه المجهول كما هو عند الأئمة أبو حنيفة والشافعي وأحمد وهو الراجح عند الزيدية. (4) القصد الجنائي ، ويتوفر متى كان أخذ السارق الشيء وهو عالم أن أخذه محرّم وأنه أخذه بنية أن يتملكه لنفسه دون علم المجني عليه ودون رضاه.

والدينار عبارة عن قطعة نقدية مضروبة من الذهب ويسمى أيضاً ( مثقال )، أما الدرهم عبارة عن قطعة نقدية مضروبة من الفضة.

الدينار ( المثقال ) والدرهم لم يتغيرا في الجاهلية ولا في الإسلام ، وقد جدد ضربهما عبدالملك بن مروان مطابقاً للأوزان المكية ، وهما موجودان في المتاحف ودور الآثار ، ولا يختلف فيهما فقهاء المذاهب الأربعة على أنهما يمثلان الدينار والدرهم الشرعيين.

وبعد بحث مستفيض من متخصصين عن وزن الدينار والدرهم الاسلاميين المضروبين في عهد عبدالملك بن مروان مقابل الوزن في عصرنا وهو الجرام تبين أن وزن الدينار ( المثقال ) = 4.25 جرام ذهباً ، والربع منه = 1.06 جرام ذهباً ، ووزن الدرهم = 2.97 جرام فضة ، والثلاثة منه = 8.91 جرام فضة فيمن يرى تقدير النصاب بالفضة كالمالكية ورواية عند الحنابلة وهو قول مروي عن أبي بكر وعمر وعثمان وعائشة وغيرهم..

وما يقابل الدينار والدرهم من وزن الجرام السائد في عصرنا على النحو المذكور اختاره الشيخ محمد بن عثيمين ، والشيخ يوسف القرضاوي ، واعتمدته الموسوعة الفقهية الكويتية ، ودائرة المعارف الاسلامية ، وموسوعة وحدات القياس العربية.

قانون الجرائم والعقوبات اليمني رقم 12 / 1994م أختار ما ذهب إليه الامام أبو حنيفة ، والزيدية ، وقول ابن عباس ، وابن مسعود ، وعطاء ، وسعيد بن المسيب ، وسفيان الثوري ، وغيرهم ، في أن النصاب في السرقة الموجب فيها حد قطع اليد هو مثقال ( دينار ) من الذهب  ، جاء في المادة ( 295 ) منه : (( النصاب من المال الموجب للحد إذا توافرت الشروط الأخرى هو مثقال من الذهب يساوي نصف جنيه ذهب أبو ولد وتقدر قيمته بالريالات اليمنية )) .. وبذلك يكون الدينار ( المثقال ) بالوزن المعاصر وهو الجرام = 4.25 جرام ذهب ، وتقدّر قيمته بالعملة الوطنية.

           شاكر محفوظ بنش
           المكلا - حضرموت