جدلية تخادم المعرفة والجهل بالقياس مع تخادم المتناقضات الأخرى
كلما تعلم المرء أكثر كلما ازدادت معرفته بجهله .
الاعتراف بالجهل هو وجه آخر للمعرفة . تُصنع المعرفة في تساوق مع الاعتراف بحقيقة أن ما يجهله المرء يظل أكثر بكثير من معرفته ، مهما بلغت تلك المعرفة . قال الشاعر قديماً : " قل للذي يدعي في العلم معرفة /عرفت شيئاً وغابت عنك أشياء) . والاعتراف بالجهل هو بداية المعرفة ، كما يقول أحد الحكماء . لا يمكن للمرء أن يقتفي طريق المعرفة إلا حينما يجعل من الاعتراف بالجهل دليله إليها . الجهل والمعرفة هما وجها حياة الانسان ، يجتدلان في حياته بصورة لا تتوقف ، خاصة في المجتمعات الحية حيث ديناميات المعرفة تتجدد بتجدد حاجاته وتنوعها والتي يجد طريقه إليها بالتغلب على حلقة من حلقات ما يجهل ، ومعها يكتشف المزيد من جهله . والانسان منذ الأزل يخوض معركة اكتشاف العلاقة بينهما لإكساب حياته المزيد من الأمن والأمان ، وفي سبيل ذلك فهو لا يرى المعرفة غير وسيلة تساعده على اكتشاف ما خفي من جهله . ورحم الله من قال ، بالمعرفة اكتشفت جهلي ومع ذلك فإني سأموت جاهلاً .
تخادم المعرفة والجهل كان أحد المحفزات التي غيرت وجه الكون ، وهو التخادم الذي سيواصل عمله بتعقب المعرفة للجهل في عملية تراكمية لا يضطلع بها إلا أولئك الذين أهلتهم الحياة للقيام بهذا الدور الخالد .
المجتمعات القادرة على استيعاب جدلية التخادم لهذين النقيضين على هذا النحو الإيجابي هي وحدها القادرة على الامساك بحلقات التغيير المستمرة نحو الافضل ، ومعها تستطيع أن تعيد بناء مساراتها بعيداً عن تخادم المتناقضات الأخرى التي عطلت عجلة الحياة بما أفرزته من تحديات سياسية واقتصادية وعلمية وأخلاقية .
أمثلة كثيرة لهذا التخادم المعطِّل ، والذي تشكل في خضم الانهيارات السياسية والقيمية في مجتمعاتنا سيتم التعرض لها في أوقات أخرى .