لا رهبانية ولا علمانية.. العبادة هي الحياة
العبادة في الإسلام هي الحياة.. الحياة بشمولها واتساعها.. الشعائر، الشرائع، المشاعر.. العقل، القلب، الجوارح.. العقائد، الأذكار، الأعمال.. العادات، المعاملات، الآداب.. مع النفس، مع الخلق، مع الخالق.. في نظام الأسرة في نظم المجتمع والدولة والعلاقات بين الأمم.. في البيت، في السوق، في الشارع.. في الأرض، في السماء.. في كل مكان، وفي كل شيء وفي كل وقت..
إنها الحياة بشرط واحد فقط، هو: أن تقام على منهج الله وفي سبيل الله (قُلۡ إِنَّ صَلَاتِی وَنُسُكِی وَمَحۡیَاي وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ ٱلۡعَالَمِینَ).
فالله الذي خلق الحياة بهذه السعة، هو الذي جعل دينه بهذا الشمول، بحيث يصلح منهجا لها بكل اتساعاتها.. إنه دين الحياة (فَأَقِمۡ وَجۡهَكَ لِلدِّینِ حَنِیفࣰا، فِطۡرَة ٱللَّهِ ٱلَّتِي فَطَرَ ٱلنَّاسَ عَلَیۡهَا، لَا تَبۡدِیلَ لِخَلۡقِ ٱللَّهِ، ذَ ٰلِكَ ٱلدِّینُ ٱلۡقَیِّمُ، وَلَـٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا یَعۡلَمُونَ).
ولذا كان أجمل وصف للإسلام هو وصفه بأنه (دين الفطرة)، وأجمل تعريف للعبادة هو تعريفها بأنها: (اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة).
بهذا المفهوم الشامل للدين وللعبادة، والمنسجم مع المفهوم الواسع للحياة، يتبين لنا كم هي ضئيلة وكم هي شوهاء تلك الأديان المحرفة وتلك الفلسفات وتلك المناهج الفكرية التي ضيقت مفاهيم الدين والحياة، فصنعت بذلك الضيق الضنك والشقاء للإنسان.
لا رهبانية ولا علمانية.. إنه الإسلام، دين الله الواحد، الذي جاء ليحرر الإنسان من أغلال الرهبانية المبتدعة التي أرادت حبس الحياة الفسيحة في الصوامع والمغارات (وَرَهۡبَانِیَّةً ٱبۡتَدَعُوهَا)، كما جاء يحرره من جموح العلمانيات المادية التي تريد أن تطلق الحياة بعيدا عن عبودية الله وتجعلها أسيرة لعبودية الهوى (أَفَرَأیۡتَ مَنِ ٱتَّخَذَ إِلَـٰهَهُ هَواهُ وَأَضَلَّهُ ٱللَّهُ عَلَىٰ عِلۡمࣲ)
بهذه المفاهيم الواسعة للعبادة والحياة والدين، نستطيع أن نفهم الآيات التي تتحدث عن الغاية من وجودنا، وهي الآيات التي طالما ظلت تشغل بال قرائها، كقوله تعالى: (وَمَا خَلَقۡتُ ٱلۡجِنَّ وَٱلۡإِنسَ إِلَّا لِیَعۡبُدُونِ)، (وَإِذۡ قَالَ رَبُّكَ لِلۡمَلَائكَةِ إِنِّی جَاعِلࣱ فِی ٱلۡأَرۡضِ خَلِیفَة).. إنه إعمار الأرض وفق منهج الله.. إنها العبادة بمعنى الحياة!.