عندما كانت عدن مخزنا لسلاح المقاومة الفلسطينية.. شهادة فلسطينية تاريخية تُكتبُ بماءِ الذهب

منبر عدن

استمعتُ قبل أيام لمقابلة تلفزيونية للسفير الفلسطيني عباس زكي  مع  قناة العربي الفضائية، تحدّثَ فيها بشكل مستفيض عن بعض صفحات النضال العربي والفلسطيني على وجه التحديد، في سبعينيات وثمانيات القرن الماضي، والدور المشرف الذي وقفته اليمن الجنوبي في تلك الفترة الى جانب الشعب الفلسطيني وكذا اللبناني في مرحلة من أشد مراحل النضال العربي صعوبة وقسوة.
فمن جُــملة ما قاله السفير عباس زكي- الذي ظل سفيرا لفلسطين بعدن مُدة طويلة عُــرف حينها بعميد السلك الدبلوماسي-، عن الدور النضالي الذي اضطلع به اليمن الجنوبي شعبا وحكومة،وبالذات في فترة حكم الرئيس علي ناصر محمد، حيث قال زكي:
كان يصلَــنا السلاح الى بيروت من ألمانيا وبلغاريا والمعسكر الاشتراكي  عبر اليمن الجنوبي الذي تحمّــل هذا العبء الثقيل ،حيث كان لنا في عدن مخزن سلاح ضخم هناك، ونحن نحمّــل منه السلاح صوب بيروت، فذات يوم قال لي الرئيس أبو عمار: الإسرائيليون يقصفونا بضراوة في حي الفاكهاني فأنا سمعت –  والكلام لعرفات- أن مع اليمنيين بعدن سلاح متطور –مضاد طيران عيار 100ملم يستخدم بالكمبيوتر أريدك أن تأتي لنا بواحد منه  لصد الغارات الاسرائيلية هنا بالفكاهاني، فذهبتُ الى الرئيس علي ناصر محمد- والكلام هنا لعباس زكي- وقال لي  يصرف على الفور، فذهبت الى مطار عدن ووجدتُ معهم بطارية واحدة من هذا السلاح لحماية المطار،يديرها خبراء سوفييت، فأتاني السفير الروسي بعدن على إثر هذا الموضوع وقال لي: أنت طالب سلاح؟، قلت له نعم، قال :أنت بدك تقطع علاقتنا مع اليمن الجنوبي؟، قلت له:لا أبداً، فقال لي: هذا سلاح استراتيجي لا يمكن نقله الى أي مكان.  قلت له: روح شوف الرئيس علي ناصر فأنا لن ارفض سلاح يأتيني من أحد، فذهب الى الرئيس ناصر وكان رد الرئيس : إذا كان التعاقد بيننا وبينكم سيخرج فلسطين من المعادلة فسنعيد النظر فيه، لأن فلسطين هي الشطر الثالث لليمن ولن نعز “نبخل” عنهم بشيء.. وبالأخير أخذنا السلاح الى بيروت ,وأتى الشهيد خليل الوزير” أو جهاد” ومعه  مهرة ليتدربوا عليه،حتى اتقنوا العمل على ذلك السلاح الذي استخذموه  بوجه الطيران الاسرائيلي مرة واحدة، ولم يعد يأتي الطيران  لقصف الفاكهاني مرة أخرى)). أنتهى.
   هذا نتفٌ صغير من ذاكرة النضال العربي الفلسطيني يستحق أن نستعيده من الذاكرة العربية التي للأسف قد أصابها الصدأ واعتراها الزهايمر السياسي بفعل تخاذل معظم الأنظمة العربية اليوم  أمام مؤامرات وصفقات القرن الواحد والعشرين الخطيرة التي تحاك ضد الأمة العربية وقضيتها المحورية” فلسطين” وبدعم وتشجيع عربي مُخزٍ…فاليمن الديمقراطية” الجنوبي” حينها برغم شحة الإمكانيات وإحداق المؤامرات العربية عليها من الجهات الأربع إلا أنها قدمت ما اُتيح لها من دعم ومساندة بحسب الممكن والموجود، سنظل نحن هنا في عدن نزهو بتلك المواقف المشرّفة فخرا واعتزازا، ونشمخ بتلك الروح الحرة الأبية التي نفتقدها اليوم بشدة, في وقت كانت فيه الأنظمة العربية الثرية-  وما تزال- تدور بفلك واشنطن ولا تكتفي فقط بعدم مساندة الشعب الفلسطيني واللبناني بل كانت جزءاً من المؤامرة وجزءاً من المأساة العربية الكبرى، فلم يسجّل التاريخ أن في الخليج العربي تم استقبال لاجئا فلسطينيا واحدا منذ نكبة 48م وحتى اليوم مرورا بمأساة غزو لبنان عام 82م وما قبل وبعد ذلك الغزو، فيما كانت أفقر الدول كاليمن بشطريه وتونس وسورية والجزائر تستقبل الآلاف من الفلسطينيين كلاجئين وكمقاتلين ،خصوصاً بعد خروج مقاتلو منظمة التحرير الفلسطينيين من بيروت غداة ذلك الغزو وما رافقه من مجازر مروعة.
       فللتاريخ ذاكرة لا تخون.
*صحافي من اليمن-عدن'.
- رأي اليوم.

مقالة نُشرِت في صحيفة  #رأي_اليوم الإلكترونية عام ٢٠١٩م

مقالات الكاتب