الجنوب بين شراكتين 2

منبر عدن

يخشى الكثير من الناشطين السياسيين الجنوبيين أن تمثل الشراكة الحالية (الجنوبية-الشمالية) استرجاع لشراكة 1990-1994م أو شراكة 1994-2015م اللتان لم تنتجا للجنوب سوى الغزو والاجتياح والاحتلال في المرة الأولى، والتبعية والذيلية التي انتهت بالانقلاب في المرة الثانية، رغم الفارق الكبير الذي تعرضنا له بين مكانة وممكنات الجنوب في المرتين السابقتين عنها في المرة الثالثة، لكن هذا يتوقف على قدرة القيادة الجنوبية الراهنة في التقاط هذه الممكنات وتحويلها إلى أوراق قوة لصالح القضية الجنوبية وترجيح كفة الحق الجنوبي في أية تسوية قادمة بما لا ينتقص من الحق الجنوبي في استعادة الدولة الجنوبية وبناء النظام الجنوبي الجديد.
وبجانب ذلك سيكون من المهم أن يدرك أطراف المجتمعين الإقليمي والدولي أن مطلب الدنوبيين في استعادة دولتهم واختيار مستقبلهم الحر ليس مطلبا عبثيا أو تعجيزياً بل إنه مراجعة مسؤولة وعقلانية لتجربة مكتظة بمرارات الفشل والإخفاق التي رافقت محاولة توحيد البلدين منذ يومها الأول، وأن العودة إلى وضع الدولتين ليس فقط مصلحة جنوبية، بل هي مصلحة يمنية وإقليمية ودولية، لأنها تسمح بتوفير أجواء السلام والأمن والاستقرار والتنمية في هذه المنطقة الهامة من العالم، وأن بقاء الوضع في هذا الإقليم كما بقي عليه منذ العام 1994م لن ينتج عنه سوى استمرار أجواء الحروب والنزاعات والمواجهات وأقلها التوترات والاضطرابات الأمنية والسياسية ومن ثم الاقتصادية والاجتماعية مما يخلق أعباءً إضافية على المجتمعين الإقليمي والدولي وإلحاق أفدح الخسائر التي كشفت عنها حرب التسع سنوات المنصرمة.
إن هناك الكثير من المتطلبات التي على المحاور الجنوبي أن يتوقف عندها للحيلولة دون تكرار تجربة الشراكتين البائستين 90-94م و 94-2914م، وأهم هذه المتطلبات يمكن أن تتركز في التالي:
1. إعادة صياغة معادلة الشراكة مع الأشقاء الشماليين من خلال، جعل صاحب الأرض وممثل الشعب وصاحب الموارد هو صاحب القرار الحاسم في هذه الشراكة، فمن غير المعقول أن يكون المتحكم في صناعة القرار هو الوافد من خارج الأرض والشعب والثروة موضوع الحكم.
2. الإقرار بأن مشكلة صراع الشرعية-الانقلاب هي مشكلة شمالية وأن الجنوب قد أدى من الأدوار التاريخية أكثر مما عليه، ودحر الانقلاب والانقلابيين، وهو اليوم يستضيف الشرعية (الشمالية) ويمنحها فرصة تولي مهماتها التاريخية في استعادة العاصمة والدولة المخطوفتين، ولن يكون الجنوب والجنوبيون إلا داعمين للشرعية ومساندين لها في السير نحو حل أزمة الانقلاب والحرب، وإذا ما اتفق الشماليون على المسار السلمي والوصول إلى حل توفقي فيما بينهم فلن نكون كجنوبيين إلا مرحبين بهذا الاتفاق وداعمين له.
3. ومن هذا المنطلق ولأن السير باتجاه الحل النهائي مع الطرف الانقلابي ما يزال طويلا وغير محدد المسالك، فلا بد من إعادة ترتيب الأولويات، وذلك بجعل القضية الجنوبية هي الأولوية رقم واحد، في إطار الشراكة الراهنة،  وبعد ذلك يمكن الحديث عن بقية الاستحقاقات بما في ذلك حسم الخلاف مع الطرف الانقلابي الذي يتمتع بدولته وعاصمته وجيشه وقاعدته الجماهيرية وعملته وشعاره وعلمه، ونظامه السياسي القائم على الأرض.
4. إعادة تقييم تجربة الشراكة الراهنة بشكل دوري وتبيان أين نجحت وأبين أخفقت، ومعالجة أسباب الإخفاق وتنمية أسباب النجداح إن وجدت أصلاً وعلى القيادة الجنوبية أن تعلم (وهي تعلم بلا شك) أن قاعدتها الجماهيرية يقيم أداءها من خلال الأثر المباشرة على حياة الناس في محافظات الجنوب، ففي ظل بقاء الأوضاع على ما كانت عليه يوم تعيين معين عبد الملك رئيسا للحكومة، بل والذهاب إلى الأسوأ فإن الشراكة لا تعني شيئا للمواطن الجنوبي، وبالعكس فإ، أي تحسن في مستوى الخدمات والمستوى المعيشي عموما سيحسب لمشاركة الانتقالي في السلطة والحكومة.
إن انتظار حسم الصراع مع الجماعة الحوثية في الشمال، بالسلم أو بالحرب كأساس لمعالجة القضية الجنوبية، يبدو شرطاً تعجيزياً أكثر منه مطلباً واقعياً، فهذه الجماعة كما يبدو لا تريد السلم وهزيمتها العسكرية قد بدت مستحيلة على الأقل في هذه الفترة، بعد اختفاء (الجيش الوطني)، وانحصاره في الوحدات الموجودة في المنطقة العسكرية الأولى التي تأبى التحرك من مواقعها ولا يستطيع رشاد العليمي، ناهيك عن أحمد بن مبارك أو محسن الداعري إعطائها الأوامر للتحرك باتجاه مواجهة الجماعة الانقلابية.
كما إن ربط القضية الجنوبية بمواقف الجماعة الحوثية يعني أننا نعترف بهذه الجماعة ونستسلم لشروطها المعروفة بغلوها واستحالة قبولها، وذلك هو ما دفعنا إلى التأكيد على وضع القضية الجنوبية على رأس الأولويات، ونحن كجنوبيين لا نعترف إلّا بشرعية واحدة هي شرعية الرئيس المفوض من الرئيس المنتخب، وبالتالي فإن ما نحتاجه هو حوار جنوبي-شمالي بمشاركة إقليمية ودولية، ووضع المبادئ الأساسية للتعامل مع القضية الجنوبية، وتوقيع اتفاق على هذه المبادئ، ولا بأس بعد ذلك من مناقشة الفترة الانتقالية قبل الوصول إلى الحل النهائي للقضية الجنوبية، والذي لن يكون إلا بالعودة إلى وضع الدولتين الجارتين الشقيقتين المتعايشتين المتكاملتين على حدود 21 مايو 1990م.
((وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ))

مقالات الكاتب