عشرون يوما في عدن(8)

منبر عدن - خاص


الطريق إلى يافع
قبل الاسترسال في هذه اليوميات لا بد من تسجيل الشكر الجزيل لمتابعي هذه المدونات عن رحلتي مع أسرتي خلال العطلة الصيفية (يونيو-أغسطس) لهذا العام، وأشير إلى أن العنوان (عشرون يوماً في عدن) لا يعني بالضرورة أن كل الأيام العشرين كانت في عدن وحدها، فقد شهدت تنقلات بين عدن ولحج وأبين ويافع.
كانت الرحلة إلى مسقط الرأس واحدة من اللحظات الهامة إذ تأتي بعد غياب أكثر من ثلاثة عشر عاماً على آخر زيارة قمت بها للمنطقة (في مايو 2011م) هذا بالنسبة لي أما بالنسبة لمحمد ومهند ووالدتهما فهي الزيارة الأولى في حياتهم.
كانت الرحلة إلى مديرية (يافع) رُصُدْ عبر طريق ثنهة-حطاط سرار إلى منطقة رَخَمَة-العُمَرِي. 
ولهذا الطريق قصة تاريخية طويلة تعود إلى مطلع السبعينات، حينما جرى شق طريقٍ ترابيٍ عبر مجرى السيل في وادي حطاط الذي تنطلق روافده من أودية امصدارة، امها حطاط،  ساحب، خلهة وسواها لتلتقي مع وادي حسان، الذي بدوره تصب مياهه في خليج عدن عند ساحل أبين بين مدينتي زنجبار وشقرة.
  *     *     *
كان الشهيد جاعم صالح  القائد الحزبي والشعبي الأشهر في تاريخ محافظة أبين يتابع بشكل شخصي تنفيذ هذا المشروع حتى ضمن وصول المركبات إلى عاصمة المركز الثاني (حينها) رُصُد.
وكانت أهم نقطتين في هذا المشروع هما: شق رهوة فلاحة لتصل الطريق بين واديي حطاط وسرار، ورهوة دبشرة ثم رهوة جار التان تصلان بين واديي رُصُد والسعدي (والرهوة هنا هي منطقة جبلية منخفضة بين قمتين جبليتين ـ ويمكن لخبراء اللغة والجغرافيا تصحيح التعريف)، أما بقية الطريق فقد كانت تتم غالباً عبر مجاري السيول وهو ما جعلها عرضة للتعطل في مواسم الأمطار السنوية لفترات تتراوح بين عدة ساعات وأسابيع في كثير من الأحيان، وفي منتصف الثمانينات جرى اعتماد مشروع طريق ثنهة-حطاط رُصُد تحت اسم طريق باتيس-رُصُد وشُرِع في التنفيذ بإشراف وقيادة المناضل التاريخي أحمد درويش عضو مجلس النواب السابق، عليه رحمة الله، لكن العمل في المشروع توقف، حيث جاءت أحداث العام 1990-1994م ليدخل المشروع مرحلة النسيان  المطلق حتى منتصف العشرية الأولى من القرن الجاري.
في العام 2006م كان لكاتب هذه السطور لقاءات عدة مع رئيس الوزراء حينها الأستاذ عبد القادر باجمال (الله يرحمه) شاركني في إحدها النائب والوزير السابق السفير علي محمد اليزيدي، لمتابعة هذا المشروع الذي دارت حوله أحاديث كثيرة لكن كانت المعضلة هي عدم وجود اعتماد مالي.
يومها قال لنا المرحوم با جمال إن تدبير اعتمادٍ مالي للمشروع أمرٌ أقرب إلى المستحيل، وكان قبل ذلك قد قال لي بصراحة متناهية إن مراكز القوى تهيمن على الموارد وكل مسؤول أو شيخ أو حتى وزير أو قائد عسكري لا يفكر إلا بمنطقته وأن حكاية التنمية الشاملة والمستدامة أكذوبة للتسويق الإعلامي ليس إلا، ويومها اقترح أن يحال المخصص المالي لمشروع خولان الحدا (ضمن المنحة القطرية التي شملت أربعة مشاريع طرق) أن يحول لمشروع طريق باتيس-رصد، باعتبار مشروع خولان الحدا سيدخل ضمن مشروع كبير هو طريق عمران-عدن الذي كان قد تم اعتماده وبدأ الشق فيه بين عمران ومداخل صنعاء على طريق مذبح – عَصَر - حدة السكنية، وقد كان ذلك بعد المتابعة مع وزارة الأشغال ووزيرها حينها الأستاذ عبد الله الدفعي.
وعموماً فقد جرى اعتماد المشروع وتم تحديث الدراسة وإجراء المناقصة وبدء التنفيذ مع العام 2008م وتم تنفذ أجزاءٍ مهمهً من المسافة الممتدة بين نقطة البداية في مدينة باتيس حتى تجاوز رهوة ثنهة، وبعد استلام أحمد الميسري ثم صالح الزوعري لمحافظة أبين تجمد المشروع بالتزامن مع ما شهدته المحافظة من فوضى انتهت بتسليمها لما سمي بـ"تنظيم أنصار الشريعة".
وفي هذا السياق لابد من التوجه بآيات الامتنان والعرفان لروح المرحوم عبد القادر با جمال رئيس الوزراء السابق والأستاذ عبد الله حسين الدفعي وزير الأشغال حينها، وهي موصولة للأخ المهندس فريد مجور المحافظ الأسبق لأبين الذي جعل المشروع ديدنه الأول وكان يقطع المسافات بسيارته التي يسوقها بنفسه متسابقاً مع جميع المركبات لنقل الضيوف من الأشقاء القطريين وكذا المهندسين والخبراء، ولروح المرحوم علي زيد العطوي النائب السابق، والأخ الأستاذ محمد مسعود عبد الله السعدي الذي كان المندوب والمتابع المتطوع لجميع مراحل التنسيق والإعداد والتحضير للمشروع.
وبعد انقطاع أكثر من عشر سنوات أعيد إحياء فكرة المشروع بجهود شعبية وتطوعية وتم تشكيل لجنة لجمع التبرعات ومتابعة التنفيذ من قبل الأهالي وقد تواصل الشق للمراحل اللاحقة لما بعد رهوة ثنهة ساحب وأهم مرحلة في هذا السياق تأتي مرحلة شق الطريق البديل لركب حطاط، الذي ظل العقبة الكأداء أمام أي جهود للاستفادة المثلى من مشروع الطريق.
ولا تفوتني هنا الإشادة بالمجهودات الكبيرة التي بذلها رئيس وأعضاء فريق الإشراف والمتابعة  ومعهم الأخ العزيز العميد أبو زرعة المحرَّمي نائب رئيس مجلس القيادة، الذين هم وراء هذا الإنجاز العظيم في مرحلته الراهنة.   
وقد لمسنا في رحلتنا ذلك الفرق في الزمن والتعب الذي وفره هذا المشروع.
*       *        *
كانت الرحلة جميلة وممتعة وقد صحبنا فيها ولداي محجوب وماهر وولديهما همام محجوب وأمجد ماهر، لولا أمرين ليس لهما الكثير من الأهمية: عطب السيارة وعجزها عن صعود المرتفعات مما اضطررنا إلى استبدالها بأخرى وقام ماهر بإعادة السيارة باتجاه أبين؛ وصعوبة ووعورة الطريق ما بعد وادي سرار في منطقة (امهدارة) بسبب تأثير أمطار الليلة السابقة لرحلتنا، ومع ذلك وصلنا منزلنا في قرية القيئمة قبيل المغرب بدقائق وكان الاستقبال كبيراً ومهيباً مصحوباً بإطلاق الألعاب النارية من قبل أخي عبد السلام وأولاده والإخوة والجيران ، وما إن سلمنا على الحاضرين وأخذنا بعض النفس حتى بدأ هطول الأمطار، وهو ما يعتبره الأهالي في العادة دليل خيرٍ وبركةٍ على المنطقة وأهلها.
حفاوة الاستقبال وحرارة الشعور العالي بالسعادة أنستانا متاعب السفر وكدمات الارتجاجات التي تعرضنا لها جراء وعورة الطريق خصوصاً قبل نهاية الرحلة بين نهاية وادي سرار وبداية وادي رخمة.
   *   *   *
تغيرات كبيرة كانت قد جرت في المنطقة منها ما هو جوهري ومهم ومنها ما هو ثانوي لكنه يساهم في تغيير الملامح وتبديل الانطباعات، . .منها ما هو إيجابي وهو كبير ومتعدد ومنها ما هو مؤسف ومضر وسلبي بكل معنى السلبية.
كل هذا سنتعرض لها في وقفة قادمة. 
*     *     *
يا مســــقط الرأس يا ذكرى بداياتِي
ويا طموح الصـــبا  يا حلمي العاتي
يا شوق روحي وتحـــناني وذاكرتي
وضوء صبـــحي وأقمار المساءاتِ
قد عشت حيًّا بوجداني مشعشــــعةً
أنوار فجرِك في لون الزهـــــيراتِ
ويا سماوات أحلامي ومنبــــــــتها
مذ كان عمري بأعــمار الفراشاتِ
كم كنتُ أعشق زهوي باسطاً أملي
على غدٍ فيه تســــــمو كل غاياتي
وفوق أرضك وزعتُ الصبا عبقاً
من الطموحات ما أحلى طموحاتي
أتيتك اليوم مشتاقا ومــــــــــعتذراً 
عن كل ما صار مني من جهالاتِ
لإن هجرتكَ مضــطرًّا فما برحت
ألوان طيفكَ تضوي كل ليــــــلاتي
أدعوكَ تغفر لي ذنبي وما سلـــفتْ
من معصياتي لأشــفى من معاناتي

مقالات الكاتب