أكتوبر .. بطولات وأمجاد تتجدد
أكتوبر الذكرى الخالدة والمتجسدة في صفحات التاريخ وفي ذاكرة الشعب الجنوبي أرضًا وانسانًا التضحيات الخالدة التي سطرها الرعيل الأول من طلائع الثوار، ومنذ أن وطئت أقدام المستعمر البريطاني شواطئ مدينة عدن واحتلالها عام 1838م وحتى قيام ثورة أكتوبر كانت مقاومة الشعب الباسلة ضد الوجود الاستعماري البريطاني مستمرة بأشكال وطرق مختلفة وأرقاها كانت المقاومة المسلحة الفردية والجماعية وبالأساليب والوسائل البدائية المتاحة وبين الحينة والأخرى خلال تاريخ الوجود الاستعماري الذي دام 129 عام إلى أن تفجرت شرارة ثورة أكتوبر التحررية المسلحة الأمر الذي يعني أن الكفاح المسلح للوجود الاستعماري البريطاني قد مرت بمراحل نضالية مختلفة في نموها وتطورها حتى نضجت الظروف الذاتية كشرط مكمل لقانون قيام الثورة التي تفجرت في وجه الاستعمار عشية 14 أكتوبر عام1963م من أعالي قمم جبال ردفان الاشم والشموخ الذي أطلق عليهم الباحثين والمؤرخين البريطانيين بإسم القبائل الحربية وكذلك وصفهم نخبة من جنرالات المستعمر البريطاني بالذئاب الحمر،ليمتد الوهج الثوري للكفاح المسلح ويشمل الجنوب العربي من أقصاه إلى أدناه حتى إعلان الاستقلال في 30 من نوفمبر 1967م
بعد نيل الاستقلال وبالرغم نن التركة الثقيلة التي خلفتها سياسة المستعمر البريطاني على الدولة الفتية بالإضافة إلى خواء في خزينة الدولة وشحة موارد البلاد إلا إنها استطاعت وخلال فترة وجيزة بالنهوض الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والتعليمي والأمني والدفاعي.. الخ ومن خلال توظيف الإمكانيات المتاحة وبطريقة تلبي احتياجات الواقع وتفتح الآفاق الرحبة أمام التطور والنمو والانطلاق من حجم المعاناة والتضحيات الجسام ومن هموم وتطلعات الجماهير الشعبية لبلوغ غاياتها النبيلة في تحقيق التنمية وخلق الاستقرار المعيشي للمواطنين وتحقيق الرخاء المادي والروحي لهم كهدف نهائي وكانت الإدارة المضبوطة على قدر كبير من المسؤولية والحرص على الاستغلال الأمثل للموارد المتاحة وتوظيفها بأقصى قدر من الإيجابية والفائدة لصالح التنمية الاقتصادية والاجتماعية ولذلك كان عامة الشعب ينعمون بمستوى العيش الكريم عبر ضمان الأسعار الميسرة والمدعومة من الدولة كالغذاء والخدمات الكهربائية والمياه والمواصلات والسكن ، إضافة إلى التعليم والعلاج المجاني.
وقد شملت التحولات مختلف أوجه الحياة للدولة والمجتمع ومؤسساتها المدنية في تجربته الديمقراطية الرائدة نقطة مضيئة في سماء المنطقة والإقليم ومنارة مشعة للفكر الإنساني وملجى وقبلة للزائرين من العرب والعجم وذلك بنهجه الخارق للعادة المألوفة والسائدة في المنطقة العربية والتي كانت أنظمتها لم تتعاط بعد في قاموسها السياسي مع المبادئ الحرة والمصطلحات السياسية العصرية وضمنها مصطلح الديمقراطية بأبعادها الاقتصادية والاجتماعية الجديدة،
ومع نهاية الحرب الباردة وفي 1990م انساقت إلى فخ الشعارات الجوفاء ليتم اغتيالها واغتصابها في مؤامرة خبيثة وسوداء رتبت بليل فاحم وفي ظل ظروف دولية وإقليمية كانت تتسم بالفوضى والالتباس وعدم وضوح الرؤية..
اليوم يحتفل شعبنا الجنوبي بالذكرى 61 لثورة 14 من أكتوبر المجيدة في مرحلة عصيبة من تاريخه يواجه خلالها التحديات والمؤامرات المتعدده المتوارثة من الاحتلال اليمني الذي لم يكتفي تدمير الدولة بكل مقوماتها العسكرية والمدنية وتسريح وتشريد إبنائهاوسلب لقمة العيش من افواههم ونهب الأرض والثروة ، وتمزيق النسيج المجتمعي وإثارة الفتن بمختلف مسمياتها واشكالها واساليبها ، بل سعى إلى طمس الهوية الجنوبية والتغير الديموغرافي للسكان بسياسة استعمارية خبيثة.
يمضي اليوم شعب الجنوب مستلهما بالبطولات وأمجاده النضالي الوطني المعبر عن ديمومة النضال من أجل الحرية والاستقلال فالتاريخ يؤكد حقيقة الإرث الثوري المتجذر المتأصل في نفوس وافئدة شعب الجنوب العربي انتمائه العروبي وأصالته المشهودة والمعهودة منذ زمن موغل في القدم ،فشعب الجنوب الذي واجه الاستعمار البريطاني وارغمه على الرحيل وافشل كل مخططاتها وسياستها التأمرية الاستعمارية وبنى دولته الحضارية قادر تماما على تحقيق أهدافه الوطنية الشرعية وفرض خياره المقدس في حق تقرير المصير وإعادة بناء دولة الجنوب العربي بحدودها الدولية المعروفة والموثقة ، التي ستنهي وضعا إقليميا شاذا طالت أيامه و تعددت مآسيه وصفحاته المزعجة .