مديريات ما قبل الحضارة

منبر عدن - خاص

على الرغم من أن محافظة حضرموت تعد من أغنى محافظات الجمهورية، لما فيها من مقومات اقتصادية وثروات نفطية وزراعية، إلا أن فيها مديرياتٍ لا تزال تعيش تحط خط التخلّف الحضاري بسنين ضوئية، حالها حال العديد من المديريات اليمنية. وكوني أحد أبناء مديرية الضليعة؛ سوف أشرح لكم عن معاناة أهلها ممن عاشوا تفاصيل التاريخ ولكن في وقتنا الحاضر.

 

تعاني المديريات الغربية (الضليعة ويبعث) من التهميش والإقصاء إلى حد النسيان، فلا نصيب لها من مخصصات السلطة المحلية، ولا ذكر لها في خطط التنمية الاجتماعية والاقتصادية، مع غياب أبسط مقومات الحياة اليومية التي سنعرّج على بعضها:

 

- سجلت هذه المديريات رقماً قياسياً فريداً، إذ لم تشهد منذ عصور ما قبل التاريخ تفعيل أي شبكة عامة للكهرباء ونحن في القرن الحادي والعشرين؛ علماً بأن البنية الأولية للشبكة جاهزة منذ أكثر من ٨ سنين.

- ولا يقل غياب شبكة المياه شأناً في قائمة العجائب عن غياب الكهرباء، إذ لا يزال أبناء الضليعة وجزءٌ كبير من محافظة يبعث يتتبعون السحاب أملاً في نزول الرحمة، فلا آبار ولا سدود غير سدٍ يتيم بلا شبكةٍ للتوزيع.

- ومعاذ الله أن نطالب بسفلتة الطرق، لأن ذلك من العبث وإهدار المال العام، فكيف لنا أن نطالب بالطرق في ظل عدم توفر المشتقات النفطية أصلاً.

- ومع تكرار كلمة شبكة في هذا المقال، تذكرت شبكة الاتصالات، مما دعاني أن أنوه لكم بأنكم في حال فقدتم التواصل بي، أو تأخرت في نشر المقالات والمنشورات، فاعلموا أنني قد ذهبت إلى مديرية الضليعة.

- عند الحديث عن المستشفيات، فإنه لابد من الوقوف ترحماً على كل الأرواح التي ودعناها بسبب عدم توفر أي مستشفى حكومي، فكل الأهالي يهرعون مسرعين إلى المديريات الشرقية طلباً للنجدة ومنهم من يصل، ومنهم من تتقطع به السبل عن سبيل النجاة.

- بعدما ذكرت أعلاه، لا أرى جدوى من الحديث عن رداءة التعليم وانتشار الأمية، فكيف لأمّةٍ يكون فيها التعليم قوياً أن يكون هذا حالها.

- وسأختم بما بدأت به، من أن هذه المديريات قد طواها النسيان حتى من ذاكرة الإغاثة، فقد قصُرت يد المساعدات الخارجية عنها كما قصُرت واجبات السلطة المحلية.

 

لذلك نطلب ونرجو من سيادة المحافظ الالتفات غرباً والنظر في حاجات أبناء المديريات، فلا طاقة لهم على العيش هكذا، وهجرتهم ستفاقم المشكلات في المدن وتزيد الضغط على مواردها. وتسبب خللاً في سلسلة المنتجات الزراعية والثروة الحيوانية لتركهم إياها وعزوفهم عنها. ومن لم يهاجر فقد منعته قلة ذات اليد ليجد نفسه مجبراً على ترك أبنائه للدراسة والذهاب لطلب الرزق. وهناك الكثير من أبناء هذه المديريات يتوقون للعودة هرباً من غلاء المدن، فلو وُجدت التنمية ومقومات الحياة الكريمة من كهرباء وماء وطرق واتصالات ومستشفيات وتعليم لعادوا لقراهم واشتغلوا بمزارعهم وتربية مواشيهم.

 

كان هذا شرحاً مختصراً عن معاناة أهالي المديريات الغربية، في قالبٍ متناقضٍ بين السخرية والمعاناة يعكس الشتات الذي يعيشه أبناؤها. وكلنا رجاءٌ لكل من له صوت قريب من السلطة المحلية أو الجهات الإغاثية أن ينقل معاناة هذه المديريات؛ لعله يصلُ إلى أحدٍ يأتي ليأخذ بيدها مع ركب الحضارة.