عن تراث عدن غير المادي

منبر عدن - خاص

يعد التراث غير المادي إرثًا بشريًا حيًّا تناقلته الأجيال عصورًا متطاولة، وحملته الجماعات البشرية معها في هجراتها إلى أصقاع الأرض، فتداخل ذلك الإرث، وتلاقح فيما بينه، ونتجت عنه صور جديدة من العادات والتقاليد والآداب والفنون والمعتقدات الشعبية واللهجات وغيرها، تضاف إلى التركة الإنسانية المحمولة عبر الأجيال منذ الأزل، ثم انصهر هذا الجديد مع القديم في تكوينٍ متحركٍ لا يتوقف، يُضيف إليه كلُّ جيل، وتنقِّحه الذائقة البشرية في مسيرة الوعي المتطورة، فتختفي تدريجيًّا بعض التفاصيل، وتظهر تفاصيل جديدة، مع بقاء الروح الجمعية والقالب الثقافي العام والخطوط العريضة التي تمثِّل الهوية الثقافية للمجتمع عبر أجياله المتعاقبة.

والمجتمع الإنساني في عدن مجتمعٌ حَضَري ساحلي، متعدد الأطياف عرقيًّا، ومذهبيًّا، بل ودينيًّا في بعض عصوره، فإن كانت رقعته الجغرافية ضيقة، فهو واسع سعة البحر الذي ارتبط به تاريخه، ومنه استمد عناصر بقائه واستمراره وقوّته، وعليه صَنَعَ حضارته، وصاغ إرثه المادي والمعنوي، فتقلّبتْ عليه آلاف السنين، وعشرات الأجيال، وصدى ذلك الإرث الخالد يتردد في جَنَبات جبال الخضراء والمَنْظَر والتَّعْكَر والعُرِّ (شَمسان) وصِيْرة، وكل حصاة في هذه الأطواد الشُّم تحفظ أسرارًا، وتحكي قصة الخلود وحديث الأزل الأبدي التي لا تنهيها إلا نار المَحشر القابعة في الأعماق، يوم ينتهي كل شيء على هذا الكوكب، وتُبدَّل الأرض غير الأرض والسماوات.

وأعظم خطر يهدد التوارث الطبيعي لهذا التكوين الثقافي هي الثقافات الجديدة المتدفقة تدفقًا غير طبيعي عبر تقنيات المعلومات والاتصالات والانفتاح الشامل الذي لم يسبق له مثيل، حتى غدا العالم كله غرفة واحدة، بل جهازًا صغيرا محمولًا في الكف، وآثاره تجتثُّ الجذور وتحطِّم الفروع والأغصان، حتى صار التغيير في العادات والأفكار والآداب والفنون واللهجة وغيرها سريعًا، وصار ما كان يتغير في قرون طويلة يتلاشى في سنوات معدودة. فكان من الأهمية بمكانٍ العناية في هذه اللحظة التاريخية الفارقة بجمع التراث وتسجيله وتوثيقه وتدوينه كما كان، ليصبح نافذة للأجيال القادمة، يستنشقون منها عبير الماضي، ويرون من خلالها بصيصًا من حياة الأجداد.

وكتبه: نادر سعد العُمَري
ليلة الخميس 9 رجب 1446
9 يناير 2025م

مقالات الكاتب