أين كانت العروبة والإنسانية ؟!

منبر عدن - خاص

كثيرون اليوم يرفعون لافتات العروبة، ويتباكون على الإنسانية، ويتحدثون بلهجة الوصاية الأخلاقية وكأنهم شهود حق لم يتخلفوا يومًا عن نصرة المظلوم.

لكن السؤال الذي يفرض نفسه بإلحاح، وبصوت لا يقبل المراوغة:
أين كانت هذه العروبة ؟ وأين كانت هذه الإنسانية ؟

أين كانت العروبة والإنسانية حين كانت العصابات تشفط نفط حضرموت، وتكرّره في المعسكرات، ثم ترسله إلى الحوثي في صنعاء، علنًا، وبلا خجل، طوال عشر سنوات ؟

أين كانت العروبة والإنسانية حين سكتوا على سطو عمرو بن حبريش، وقطعه الوقود حتى عن محطات الكهرباء، وترك مئات الآلاف تحت حرٍّ خانق، وأشهر طويلة من المعاناة والظلام ؟

أين كانت العروبة والإنسانية حين كانت عناصر تنظيم القاعدة تنفّذ مئات العمليات الإرهابية، ثم تعود آمنة لتأوي إلى معسكرات المنطقة العسكرية الأولى، تحت حماية النفوذ لا تحت سلطة القانون ؟

أين كانت العروبة والإنسانية حين كانت إيران تهرّب السلاح والمخدرات عبر المهرة ووادي حضرموت، وتحول الجغرافيا الجنوبية إلى ممرّ للفوضى والموت، لعشر سنوات كاملة ؟

أين كانت العروبة والإنسانية حين كانت الشركات ترمي مخلفاتها المسرطِنة، فتدمّر البيئة، وتفتك بمئات الأطفال، على مدى ثلاثين عامًا، دون رقيب أو محاسبة ؟

أين كانت العروبة والإنسانية حين سيطر تنظيم القاعدة على مديريات ساحل حضرموت، وكان يُعدم الناس في الشوارع، ويفرض الرعب بقوة السلاح، فيما العالم يشيح بوجهه ؟

أين كانت العروبة والإنسانية حين ظلت عصابات نظام صنعاء تنهب ثروات حضرموت لعقود، بينما كان أهلها يُدفعون إلى الفقر والجوع والتهميش الممنهج ؟

أين كانت العروبة والإنسانية حين كان نظام صنعاء يقتل أبناء حضرموت لأنهم خرجوا في مظاهرات سلمية ضمن الحراك، يطالبون بحقوقهم، ويواجهون الرصاص بصدور عارية ؟

أين كانت العروبة والإنسانية حين انقلب نظام صنعاء على الوحدة، وشن حربًا شاملة على الجنوب عام 1994م، مستخدمًا الدبابات والمدافع لفرض وحدة بالقوة ؟

أين كانت العروبة والإنسانية حين مارس نظام صنعاء أبشع صور الاحتلال في الجنوب، من نهب الأراضي، وإقصاء الكفاءات، وتسريح العسكريين، وتدمير مؤسسات الدولة، طوال ثلاثين سنة ؟

وأين كانت العروبة والإنسانية حين صودرت البيوت، وسُلبت الأراضي، وحُوّلت المدن الجنوبية إلى غنائم حرب، تُقسم بين المتنفذين باسم “الوحدة” ؟

وأين كانت العروبة والإنسانية حين كان يُطلب من شعب الجنوب أن يصمت، وأن يتعايش مع القهر، بينما يُشرعن القتل والنهب والفساد تحت مسميات سياسية كاذبة ؟

ثم فجأة…

يتذكرون العروبة.
ويتباكون على الإنسانية.
لكن فقط عندما قرر شعب الجنوب أن يقول كلمته،
وأن يؤمن وطنه، ويحمي أرضه،
وأن يستعيد قراره،
وأن يرفض أن يكون ضحية صامتة إلى الأبد.
العروبة التي تُستدعى انتقائيًا ليست عروبة،
والإنسانية التي تصحو متأخرة ليست إنسانية،
أما إرادة الشعوب…
فلا تموت، ولا تُقمع إلى الأبد.

مقالات الكاتب