جفّت ينابيع النسيان

عن أولئك الذين سكنوا الظل، بينما صنعوا النور..

يافع مَـرَدّ الشّدات والضيقات
فيها رجالٍ بالسّما ما بانوا
لو تكتب الأيّام كل اللحظات
ما توفي النّاس الذين أوفـونا
جفّت ينابيع الحكي والسِّيـرات
واندفنوا أبطال ما تُنسـانـوا

في زوايا التاريخ المهملة، وفي الهوامش التي لا يقرؤها أحد، تسكن وجوه رجالٍ من يافع… خدموا الوطن قبل الوحدة، في صفوف الجيش الوطني الجنوبي، ورفعوا راية الكرامة على رؤوس الجبال، ثم انسحبوا بصمت، لأن الصفحات لم تتّسع لأسمائهم، ولم تُكتب الملاحم كما وقعت.

هؤلاء لم يكونوا مجرد جنود، بل كانوا سيوفًا مغروسة في خاصرة العدو، وسندًا لأرضٍ كانت تتقلب بين الأمل والخوف. 
قاتلوا في الجبهات، وحموا المدن، ولبوا النداء حين ناداه الشرف، ثم عادوا بلا رتبةٍ محفوظة ولا وسام، فقط بقلوبٍ نقية تحمل همّ الوطن.

ليس المطلوب أن تعاد عقارب الساعة، ولكن أقل ما يُمكن فعله هو أن نفتح دفاتر الشرف، ونكتب أسماءهم بحروفٍ من ذهب. فالتاريخ لا يكتب فقط من الأعلى، بل من القاع، من حيث الأقدام التي حملت الراية وسارت بها، حتى حين كان الطريق يكسوه الخوف والوحل.

أذكر أحدهم، كان يدعى العم سيف – رجل نحيل، له لحية بيضاء تلمع كبريق الشمس، يحني رأسه قليلًا حين يتكلم. خدم في الجيش الوطني لأكثر من عشرين عامًا، لم يكن يبحث عن ضوء، بل كان الضوء يسير خلفه.

وبعد الوحدة، وجد نفسه منسيًا، كأن الأرض التي دافع عنها لفظته.

وهو ليس وحده...

كذلك العميد محمد صالح النقيب – من رصد، أحد أبرز القادة في اللواء الثالث مشاة. 
رجل انضباط وقيادة.

الملازم فضل ناصر حسين العطوي – شارك في جبهات الضالع وكرش، وكان من أوائل المدربين في معسكر الراحة.

الشهيد عبد الله سيف عبد الله (المرقشي) – من المفلحي، سقط في مواجهة مسلحة عام 1986.

الرائد عوض صالح السعدي – مسؤول الإمداد في قاعدة العند الجوية، رجل شجاع في زمن الحذر.

المقدم يسلم عبد الرب المعمري – من سرار، جمع بين الحكمة والبأس، وكان صلبًا في الميدان.

الملازم قاسم محمد العيسائي – من يهر، عمل في سلاح الإشارة، مخلص لواجباته.

الضابط علي عبد الله بن ناجي السنيدي – من القلوب البيضاء التي عرفها الجنوب.

الشهيد صالح هيثم الحريبي – استشهد في إحدى المعارك قبيل الوحدة، ولم يُنصف حتى اليوم.ز

الرقيب حسن سالم بن حسن اليهري – عاش حياة الكفاف بعد تسريحه، لكنه بقي شامخًا.

العميد متقاعد عبد الكريم يحيى السقلدي – رجل العقل والانضباط.

ولا ننسى آخرين طوتهم الذاكرة، لكن لا تزال أسماؤهم تتردّد على لسان الشرف

ختامًا:
يا أبناء يافع، يا من سكتم دهورًا لأنكم لستم ممن يرفع الصوت طلبًا للذكر… نحن نكتب عنكم الآن، لا لتعود الحياة، بل ليعود الإنصاف.
ليعرف الجيل أن هناك رجالًا مشوا على الأشواك ليُمهّدوا الدروب، ثم عادوا إلى بيوتهم كما خرجوا… إلا من الكبرياء.

هؤلاء ليسوا مجهولين… هؤلاء نحن.
لن ننسى… حتى لو نسيت الكتب.

🖋الكاتبة : سناء العطوي

مقالات الكاتب