اليمن.. ثلاثية الحرب والهدنة والسلام الدائم

منبر عدن

في بداية أغسطس، أعلن عن شهرين إضافيين في تمديد الهدنة الأممية الإنسانية في اليمن منذ إعلانها في أبريل، ورغم أن الهدنة مطلب شعبي ورسمي للحكومة الشرعية ومدعومة من التحالف لتحقيق الأسباب الإنسانية المعلنة من أجلها، لكن لا تبدو تجارب الحوثي السابقة في الهدنة مشجعة على المضي في تجارب جديدة، فهي لا تذعن لها إلا عندما ترى أنها فرصة مناسبة تعيد فيها ترتيب أوراقها لمرحلة ما بعد الهدنة، ثم تسارع إلى خرقها والعودة إلى ساحة الحرب في نطاق جغرافيا مواجهات ما قبل الهدنة، وإن كانت هذه الجغرافيا محدودة لكنها كافية بالنسبة للميليشيات لتعيش فرصة الحرب وما تحققه خلالها.

تمثل الحرب بالنسبة لميليشيات الحوثي أولوية على السلام لاعتبارات كثيرة، منها خارجية وفق تبعية قرارها لإيران، وأخرى داخلية تهرب خلالها من التزاماتها ومسؤولياتها كسلطة إجبارية في مناطق سيطرتها تجاه موظفي السلك المدني للدولة، وكذلك التزاماتها الخدمية تجاه عموم المواطنين في تلك المناطق، إضافة إلى كونها ذريعة في التكسب وسلب الناس أموالها تحت مسميات وجبايات واسعة بدعوى تمويل الجبهات، وبيئة الحرب وفق انعدام المسؤولية هي الخيار الأنسب للميليشيات، والبيئة التي توفر لها فرص الاستمرارية، ولقادتها فرص الثراء غير المشروع.

منذ بدء الهدنة الإنسانية في اليمن بداية أبريل هذا العام، ثم تمديدها لشهرين إضافيين في يونيو، ومؤخرا تمديدها لشهرين آخرين، لم تلتزم الميليشيات بتنفيذ ما يتعلق بالهدف الإنساني للهدنة، فلا هي رفعت حصار تعز، ولا أوقفت اعتداءاتها المتكررة تجاه الأعيان المدنية، إضافة إلى استمرار خروقاتها على خطوط التماس، وإذا كانت الهدنة قد ارتكزت على هذه البنود إضافة إلى فتح مطار صنعاء وميناء الحديدة من قبل الشرعية، وبالنظر إلى مقياس تنفيذها، فيمكن القول هنا أنها هدنة من طرف واحد، التزم خلاله هذا الطرف (الشرعية) بما عليه، وبقي الآخر على موقفه في رفض تنفيذ جزئيات هامة من بنودها.

نتساءل، ماذا لو كانت النتيجة التي وصلنا إليها اليوم في معادلة الحرب وجغرافيا السيطرة، هي الشكل النهائي لحرب اليمن؟ في ظل مساع دولية لتثبيت الهدنة بشكل دائم على هذا النحو، مع استمرار بقاء ميليشيات الحوثي وسيطرتها على صنعاء ومحافظات شمال اليمن، فهكذا نتيجة لا تحقق المأمول في إنهاء الانقلاب، لكنها تضمن وجود جغرافيا كبيرة محررة تمثل كامل مناطق الجنوب، محمية بمطالب شعبية في رفض الوحدة مع الحوثي وعودة دولتها التي كانت قائمة عام 1990م.

سبع سنوات من الحرب، أفرزت مشهدا يكاد محدد المعالم سياسيا وعسكريا وجغرافيا، تمثل فيه القوى التي كانت تستفرد بالشرعية (الإخوان) قبل نقل السلطة للمجلس الرئاسي الكيان الأضعف، أمام سيطرة حوثية في الشمال، وجنوبية انفصالية في الجنوب، ولعل هذا المشهد يؤهل القوى الجنوبية ممثلة بالمجلس الانتقالي الجنوبي في تولي زمام العملية السياسية والعسكرية في مواجهة ميليشيات الحوثي، وهذا ما نلحظه من التعيينات الرئاسية التي آل معظمها للمجلس الانتقالي الجنوبي، بعد دخوله مؤخرا في قوام السلطة الشرعية كشريك فاعل ومؤثر وصاحب التأثير الأكبر فيها، ولديه ما يمنحه مشروعية وقدرة تولي قيادة المرحلة سياسيا وعسكريا بعد أن تضاءلت فاعلية قوى الشرعية الأخرى طوال سبعة أعوام ولم يعد لديها ما تقدمه، مما استدعى تشكيل مجلس قيادة رئاسي يمثل الشرعية بوجوه جديدة وشخصيات تمثل أقطاب المشهد العسكري المناهض للحوثيين.

لا يبدو أن في الحرب جديدا يمكن تحقيقه، ما لم يكن لدى قوى الشرعية قدرة تجاوز الضغوط والهدن الأممية التي منعت سابقا التقدم باتجاه صنعاء، وأوقفت لاحقا تحرير الحديدة على يد التشكيلات العسكرية الجنوبية بإعلان هدنة وفق اتفاق استوكهولم الذي لم يُنفذ منه سوى وقف التقدم صوب الحديدة، فيما بنوده الأخرى ظلت حبيسة ما بين رفض وممانعة حوثية، وتجربة اتفاق استوكهولم واحدة من تجارب كثيرة ماطل الحوثيون تجاهها، وكان يجب الوقوف عليها قبل البدء في أخرى تلحق سابقاتها، تأخذ منها الميليشيات ما تشاء من بنودها وتتخلى عما تشاء.

مقالات الكاتب