ثلة من الحمقى
كان سقراط فيلسوفا منذ نعومة أظفاره, ولكنه كان كسولا، ولا يحب الاستيقاظ باكرا، وكان دائما ما يتعرض للتوبيخ من قبل معلميه حينما يصل المدرسة في وقت متأخر.
أمه أيضا لم يعجبها هذا السلوك من ولدها فقد كانت تحلم بأن يصبح صغيرها يوما ما مهندسا وذا شأن في المجتمع، مما دفعها الى ابتكار حيله بالاتفاق مع أحد معلميه في الفصل، بحيث يحكي ذلك المعلم لسقراط قصه حول فوائد الاستيقاظ الباكر، وعندما حضر سقراط في اليوم التالي متأخرا كعادته، بدأ المعلم في سرد قصه من نسج خياله عن عصفورين: أحدهما استيقظ باكرا، وأكل من الحشرات حتى امتلأت معدته وأطعم صغاره, بينما العصفورا الآخر كان كسولا جدا ويستيقظ متأخرا، فتفوته الحشرات ولا يجد ما يأكله أو يسد به رمقه، ويظل يعصره الجوع والألم, وبعد أن أنهى المعلم قصته وهو مبتسم وسعيد؛ لأنه رأى سقراط منسجما ومتفاعلا مع القصة، فبادره بالسؤال:
والآن يا سقراط: أخبرنا ماهي الفائدة التي استفدتها من القصة؟ فأجابه سقراط بطريقة لم يكن يتوقعها أحد إذ قال: استفدت أن الحشرات التي تستيقظ مبكرا تأكلها العصافير!!!..
وبالرغم من حسن النية للمعلم فان العبرة من القصة هي أنه لا يخلو أي مجتمع من أشخاص من أصحاب النوايا السيئة قد تلاقيهم في طريقك وفي معاملاتك وفي شغلك وفي حلك وترحالك، فهم يعتقدون أنهم دائما على صواب، وأن رايهم هو الرأي الأمثل كي يوهمون الآخرين بأنهم مهمون، ويحسسونهم أن الأرزاق بأيديهم، وأنه لولا وجودهم لخرم ثقب الأوزون بالكامل، ولاحترقت الأرض ومن عليها، ولولاهم لذاب الجليد في المحيط المتجمد الشمالي، ولغرقت الأرض، فهم من سينقذ البشرية من المخلوقات الفضائية التي ستعزو الارض، كما أن أجدادهم هم من أول من تصدّى لغزو التتار وفتحوا القسطنطينية، فهم الآمر الناهي على هذا الكون؛ لذلك فالمطلوب من الآخرين التودد والتملق وحتى التذلل لهم ومحاباتهم ومجاملتهم حتى يرضوا عنهم، ولكنهم في الأساس ثلة من الحمقى، قتلهم الوهم، يحاولون استغفال عقول البسطاء، ويعيشون في واقع مزيف، فهم أشبه بذلك الديك الذي يعتقد أن الشمس لن تشرق بدون صياحه.
هناك من هم أذكى من سقراط، ولن تنطلي عليهم كل الحيل، فالحفاظ على المبادئ واحدة من أهم سماتهم ويمنعهم كبريائهم وعزة نفوسهم من أن يذلوا أنفسهم مهما كلفهم ذلك من ثمن، فهما رأس مالهم في الحياة، ولن يركعوا الا لله الخالق المعبود. اللهم كثر من أمثال السقاريط وجنبنا ثلل الحمقى يارب العالمين اللهم آمين