ترجمة تعريفية بفقيد الوطن المناضل الكبير هيثم قاسم عبدالقوي الدعاسي الكلدي

الفقيد الفنان الشعبي الكبير هيثم قاسم أبو طارق

حفظ الصورة
منبر عدن - د.نادر سعد العمري

وداعًا أبا طارق...
===========

رحل عن دنيانا الفانية يوم أمس السبت المناضل والشاعر والفنان الشعبي الكبير العم هيثم قاسم الدعّاسي، رحمه الله وتقبله في الأبرار، وهو قامة من القامات الكبيرة، وعَلَم من أعلام الوطن البارزين، ورجل جمع بين الثقافة والنضال، عرفته منذ طفولتي من سماعي لتسجيلاته التي كان أبي مولعًا بها، وعرفته في أواخر الثمانينيات في سوق رَخَمة عندما كنت أمر عليه في دكانه هناك، واقتربتُ منه أكثر في زياراتي الكثيرة إلى قرية المِعْيان في جبل الصحراء، سواء في مسجد القرية أو في منزله العامر، وكان رفيقًا لجدي في رحلة النضال في شمال اليمن، ولأبي في الغُربة بمدينة الدمام السعودية التي سكنا فيها في عزبة واحدة، ولي في جلسات كثيرة كان فيها أبًا وصديقًا، أفادني كثيرًا في أمور أبحث فيها.

ووفاء للراحل العزيز، كتبت هذه الترجمة التعريفية بالعم الفاضل الشيخ هيثم قاسم رحمه الله.
=======
==========

هو الشيخ هيثم قاسم عبدالقوي ناصر بن الغريب الدَّعّاسي الباقِري الكَلَدي اليافعي.

ولد في قرية المِعْيان، إحدى قرى جبل الصحراء، من قرى الأباقير في مكتب كَلَد (تتبع حاليًّا مديرية يافع رُصُد بمحافظة أبين) سنة 1354هـ (1936م).

درس في صباه في معلامة مجاورة لقريته على يد الشيخ حسين عبدالرب بن زايد البوبكري الباقري (ت 1432هـ/2011م)، ونشأ في بيئة قبلية ظروفها قاسية وصعبة.

سافر إلى حضرموت والتحق جنديًّا بجيش السلطنة القعيطية بتاريخ 7 مايو 1958م، وبقي هناك حتى انفصل بنفسه عن هذا العمل بتاريخ 16 يناير 1962م.

وفي المكلا التقى بالفنان الكبير محمد جمعة خان (ت 1963م) وتأثر به، وتعلم عليه ضرب العود، وظهرت موهبته الغنائية التي اشتُهر بها فيما بعد.

تأثر بالمد الثوري القومي الذي ساد البلاد العربية آنذاك، فكان من أوائل الشباب المتطوعين للدفاع عن ثورة 26 سبتمبر 1962م ضد النظام الإمامي في شمال اليمن، فوصل إلى صنعاء ضمن مجاميع من يافع وأبين في ديسمبر 1962م.

شارك في معارك خَوْلان شرقي صنعاء بقيادة علي ابن الرئيس عبدالله يحيى السلّال، في الفترة من يناير حتى أبريل سنة 1963م، وكان قائدًا لفرقة من مقاتلي يافع المشاركين هناك (من ضمنهم جدي لأبي المناضل عبادي عاطف حسن بن حلبوب العُمَري (ت 1998م) رحمه الله)، وهناك تعرض هو وفرقته للحصار في منطقة "تِنْعِم" بالقرب من جبل "لَوْز"، في شهر مارس 1963م، وجُرِح في المعركة عدد من المقاتلين من أبناء يافع وأبين (من ضمنهم جدّي رحمه الله)، واستمر الحصار حوالي 25 يومًا، حتى استطاعت قوة من الجمهوريين بقيادة علي عبدالله السلال أن تخترق الحصار وتُخرِج المحاصَرين من ذلك المكان، وتسعِف الجرحى.

انتقل إلى تَعِز مع مجموعة من مقاتلي يافع في مايو 1963م، والتقوا بالسلطان محمد عيدروس العفيفي، وببعض الضباط المصريين، ومُنِحوا أسلحة شخصية، وكُلِّفوا بالقتال في جبهة عَبْس في محافظة حَجّة، بقيادة أحمد الرجوي قائد لواء الحديدة، وتنقل هناك بين عدة معارك في مناطق المَحَابِشة وبني حملة، ثم كُلِّف هو ورفاقه بالانتقال إلى منطقة كُحْلان لفك الحصار عن مجموعة من المقاتلين من أبناء البيضاء. وكان من رفاقه هناك المناضل الشيخ راجح بن غالب لَبُوْزة القُطَيْبي، الذي كان أول شهداء ثورة 14 أكتوبر 1963م فيما بعد. ومكث في جبهة عَبْس ثلاثة شهور.

عاد بعدها إلى يافع في أغسطس 1963م، والتحق بجبهة الإصلاح اليافعية، وكان من أوائل المشاركين في معارك الدفاع عن ثورة 14 أكتوبر 1963م بعد اندلاعها في جبال ردفان، وشارك في عدة عمليات قتالية في جبهات يافع وردفان وعدن، وكان في جبهة سَرْوِيْت غربي يافع ضمن مجموعة يقودهم المناضل الشيخ حسين محضار حسين بن حُلْموس المُحَرَّمي (ت 2007م).

وكان يعود بين حين وآخر إلى مسقط رأسه ليشارك في تعليم الأولاد في معلامة قريته، ومن تلاميذه الذين دَرَسوا عليه في تلك المعلامة الأديب الدكتور ناجي جبران يحيى الدَّعّاسي (ت 2009م) الذي دَرَس عليه بين سنتي 65-1967م.

وبعد الاستقلال مباشرة كُلّف من الإدارة المحلية في يافع برئاسة لجنة الإصلاح بين الأهالي وجمع التبرعات لإنشاء مشاريع الطرق والمدارس وغيرها في مناطق رَخَمة والأباقير في كَلَد، بتاريخ 1 ذي الحجة 1387هـ (أواخر فبراير 1968م)، وكان معه ضمن اللجنة جماعة من أعيان المنطقة.

وعندما برزت للسطح سياسة الفرز السياسي المبني على الظنون والبلاغات الكيدية بعد 22 يونيو 1969م تعرّض المناضل هيثم قاسم هو وعمه الشيخ زيد بن علي ناصر سليم الدعاسي، والشيخ محمود خالد الدعاسي (والثلاثة من أبرز مناضلي الثورة) للمضايقة والتصنيف السياسي، مما أدى إلى اعتقال الشيخ زيد بن علي وسجنه في عدن سنة 1971م، فقَدِم من السعودية الشيخ ناصر بن علي ناصر الدعاسي (أخو الشيخ زيد، وعم صاحب الترجمة)، وسعى عند وزير الداخلية حينها محمد صالح مطيع، وتمكن من تحرير أخيه من السجن، وعاد إلى السعودية وبرفقته أقاربه الثلاثة.

وفي السعودية استقر صاحب الترجمة في الرياض، وتنقل بين بعض المدن السعودية الأخرى، وكان يُحيي الحفلات الغنائية بين أهل يافع في مجالسهم الخاصة، وتعاقد هناك مع شركة تسجيل، فذاعت تسجيلاته وانتشرت بين أهل يافع وغيرهم، وكانت أخصب فترات حياته في هذا المجال، وهناك غنى لكثير من الشعراء الشعبيين اليافعيين، أمثال شائف محمد الخالدي، ويحيى عمر، وراجح هيثم بن سبعة اليهري، وصالح طالب بن معبد اليهري، وصالح أحمد بن حوتب الكلدي، وحسين محسن السناني اليزيدي، وصالح سند اليزيدي، ومحمد ناصر مجمل الكلدي، وثابت راجح بن عطاف الكلدي، وغيرهم.

ومكث في السعودية عدة سنوات متواصلة، ليعود بعدها إلى الوطن بين حين وآخر، وكان زواجه متأخرًا، وترك الغربة نهائيًا في سنة 1987م، حينما استقر في مسقط رأسه، وفتح دكانًا صغيرًا في سوق رَخَمة في حدود سنة 1988م، وكان يشارك في الأنشطة الثقافية في يافع وفي زنجبار وفي عدن، وسجّل له تلفاز عدن عدة جلسات غنائية، وبثّها في أواخر الثمانينيات وأوائل التسعينيات من القرن العشرين الميلادي (وكان أول من غنّى ببعض أشعار جدّي أحمد حسن عاطف بن حلبوب الملقَّب بالأحمدي في تلفاز عدن سنة 1991م)، وسجّل عدة جلسات غنائية لتلفاز صنعاء بعد الوحدة سنة 1990م.

شارك في عدة أعمال اجتماعية مشاركة فعّالة، ومن تلك الأعمال: أمين صندوق مشروع طريق رهوة السوق – المَرْبَض في جبل الصحراء، 1988م، وأمين صندوق مدرسة رهوة السوق 1988م، أمين صندوق بناء مسجد المعيان في جبل الصحراء، 1992م.

كان مؤذّنًا لمسجد المعيان بعد افتتاحه، وقد تأثر بالدعوة السلفية في محاربة المخالفات والغلو الذي يفعله الناس عند القبور والأضرحة، وكان من ضمن المجموعة التي هدمت ضريح "علي شمسان" في قمة جبل الصحراء، في أواخر أكتوبر 1992م، وهو ضريح وهمي بُني في القرن الرابع عشر الهجري، فاستُدعي لشرطة رصد بتاريخ 1/11/1992م، وسُجِن هناك عدة أيام.

مكث بقية حياته في قريته، بين بيته ومسجده، وأصيب في السنوات الخمس الأخيرة من حياته بعدة جلطات دماغية، وكانت وفاته يوم السبت تاسع شعبان 1443هـ (12 مارس 2022م).

له ثلاثة من الأولاد هم: طارق (مفكر إسلامي مقيم في مصر، يحضّر حاليًا للماجستير في الفلسفة)، وعبدالحكيم (مغترب ورجل أعمال)، وناصر (طبيب متخرج من الجزائر)، وعدة بنات.

حصل على ميدالية مناضلي الثورة اليمنية.

والوالد هيثم قاسم عبدالقوي شاعر شعبي متمكن من شعراء العامية اليافعية، وله قصائد متناثرة تحتاج إلى جمع وتدوين.

رحمه الله وغفر له وتقبله في الأبرار، وجعل الجنة مثواه، وأحسن العزاء لأولاده وجميع أهله وذويه ومحبيه.

وكتبه: د. نادر سعد بن حلبوب العُمَري
عدن – عاشر شعبان 1443هـ
13 مارس 2022م.

ملاحظة: معلومات هذه الترجمة مستفادة من الوالد هيثم قاسم رحمه الله شخصيًّا، في عدة جلسات لي معه، ومن الوثائق التي سلمني نسخة منها، وقد نشرتُ بعض هذه الوثائق في مرفق هذا المنشور.