إساءات نصرالله للسعودية.. خطاب إيراني بلسان لبناني
أجمع عدد من السياسيين اللبنانيين على أن ما جاء من إساءات وافتراءات على لسان الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله، هو خطاب إيراني بامتياز لكن بلسان لبناني يصرّ على الاستمرار في سياسة الاستفزاز والشتم والاستعداء المجاني للمملكة ولدول الخليج فيما يعمل على توسيع المنافذ قصدا لإيران.
وأعاد نصرالله من خلال ادعاءات مسيئة للسعودية، لبنان مجددا إلى مربع السجالات والتشاحن بينما يكابد رئيس الحكومة نجيب ميقاتي لتهدئة التوترات الداخلية من جهة ولترميم الشروخ في العلاقات مع المملكة التي أحدثتها تصريحات وزير الإعلام المستقيل جورج قرداحي قبل أشهر قليلة، بينما لم يغادر البلد الغارق في أسوأ أزمة في تاريخه متاهة الجمود السياسي والاضطراب المالي.
وبدا نصرالله كأنه يحرص على تأزيم العلاقات مع الرياض، بينما يضغط في الوقت ذاته لفتح منافذ أوسع للنفوذ الإيراني، فما أن خفتَ ضجيج الأزمة التي فجرها قرداحي وهو المقرب من حزب الله، حتى فجر حزب الله أزمة داخلية وأجج في الوقت ذاته التوتر القائم والكامن مع دول الخليج.
وقد نددت شخصيات سياسية لبنانية بينها شخصيات سنّية يتقدمها رئيسا الوزراء الأسبقين سعد الحريري وفؤاد السنيورة والرئيس اللبناني السابق ميشال سليمان، بما جاء على لسان نصرالله من إساءات للمملكة في إصرار يبدو متعمدا لتسميم العلاقات مع السعودية بينما لا تزال الحكومة التي لم تعقد منذ تشكيلها جلسة لمجلس الوزراء، تواصل مساعيها لتهدئة التوتر مع الخليج وإنهاء القطيعة الدبلوماسية التي أعقبت تصريحات قرداحي.
وتلوح في الأفق أزمة سياسية جديدة في لبنان على خلفية تصريحات نصرالله وكذلك انتقادات حادة وجهتها شخصيات قيادية في حزب الله لرئيس الوزراء نجيب ميقاتي بسبب تنديده بإساءات أمين عام حزب الله للرياض والتأكيد على أنها لا تمثل الحكومة اللبنانية رغم أن حزب الله شريك فيها.
ويكون الأمين العام لحزب الله بتصريحاته واتهاماته للرياض بـ"الإرهاب" و"إرسال دواعش للعراق" و"احتجاز آلاف اللبنانيين في الخليج رهينة يهدد بهم لبنان كل يوم"، قد عمّق الانقسامات السياسية بينما يكابد لبنان للخروج من حالة الجمود السياسي على أمل أن يقود ذلك لحلحة الأزمة الاقتصادية.
وقد وجه سعد الحريري عبر تويتر رسالة شديدة اللهجة لأمين عام حزب الله قائلا في سلسلة تغريدات "إلى السيد حسن نصرالله: إصرارك على استعداء السعودية وقيادتها ضربٌ متواصل من ضروب المغامرة بلبنان ودوره ومصالح أبنائه. السعودية لا تهدد دولة لبنان بالعاملين فيها والمقيمين بين أهلها منذ عشرات السنين".
وتابع في تغريدة ثانية "السعودية ومعها كل دول الخليج العربي احتضنت اللبنانيين ووفرت لهم فرص العمل ومقومات العيش الكريم. من يهدد اللبنانيين في معيشتهم واستقرارهم وتقدمهم، هو الذي يريد دولة لبنان رهينة دولة إيران وامتداداتها في سوريا والعراق واليمن ولبنان".
واختتم تغريداته بالقول مخاطبا نصرالله "اعلم أنك لن تتراجع عن أساليب الاستفزاز والشتم لدول الخليج العربي، لكن الكل يعلم أن التاريخ لن يرحم حزبا يبيع عروبته واستقرار وطنه ومصالح أهله لقاء حفنة من الشراكة في حروب المنطقة".
من جهته اعتبر فؤاد السنيورة أن ما جاء على لسان نصرالله وفي هذه الظروف العصيبة عموما هو "بمثابة جريمة موصوفة بحق لبنان واللبنانيين وبما يعرض مصالحهم الوطنية للخطر"
وقال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق(19 يوليو 2005 – 9 نوفمبر 2009) "لقد انتظر اللبنانيون أن يخصص السيد حسن نصر الله المناسبة الثانية لرحيل قاسم سليماني وأبومهدي المهندس مساحة للحديث عن الحالة اللبنانية المتردية وعن اشتباك حليفيه اشتباكا لم يعد من مجال لرأبه وأن يكون الكلام السياسي العام من قبله من أجل إعادة المياه إلى مجاريها وإلى حيث يجب أن تكون بين لبنان وبين الدول العربية".
وتابع "إلا أن اللبنانيين فوجئوا بأن الخطاب كان خطابا إيرانيا بكل معنى الكلمة وأنه كان كمن يعبر عن فقدان الصبر الإيراني بالصراع القائم والاشتباك مع الولايات المتحدة في مفاوضات فيينا وتراجع دور إيران في اليمن واشتباكها أيضا مع دول الخليج العربي وتراجع مشروعها في العراق وسوريا بسبب اصطدامها بالحقائق البشرية والجغرافية وبقانون الطبيعة".
وقال السنيورة "لبنان في هذه الظروف وفي هذه الحالة التي وصل إليها بكونه قد أشرف على الاختناق في أتون المشكلات والمصائب التي تتوالى عليه وفي خضم هذه الضائقة الخطيرة التي أصبح عليها لبنان واللبنانيون والتي يُسأل حزب الله عن مسؤوليته عن قسم كبير مما وصل إليه لبنان الآن بسبب اختطافه للدولة اللبنانية وتورطه في الصراع الدائر في المنطقة العربية"، مضيفا "أي لبناني يفكر بمصلحة بلاده ومواطنيه لا يتصرف كما تصرف السيد نصر الله في هذه الظروف الصعبة وهو بالتالي معرض لأن يدان أشد الإدانة من الرأي العام والشعب اللبناني قاطبة على هذا التصرف".
وانتقد السنيورة بشدة تصريحات نصرالله بحق السعودية واعتبر كلامه جائرا وافتراء على المملكة، مشددا على أن إساءاته للمملكة تعني أنه "يمعن في خنق لبنان وإقفال الأبواب والمنافذ عليه فوق ضائقته الاقتصادية والمعيشية والسياسية وهو في هذا الفعل المتقصد إنما يقدم فاتورة لوليه الإيراني المتغول للسيطرة على المنطقة وإرهاب الدول العربية وإرباكها، ولكن كل ذلك وللأسف، على حساب لبنان واللبنانيين الذي يتسبب لهما بالمزيد من الأوجاع والآلام".
الرئيس اللبناني السابق ميشال سليمان تساءل بدوره عن المغزى من تصريحات نصرالله وإساءاته للسعودية، قائلا في بيان "في حين يدعو رئيس الجمهورية ميشال عون إلى انعقاد هيئة الحوار الوطني ثم يؤيده رئيس مجلس النواب نبيه برّي، ورئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي بالدعوة عينها، وفي حين يتفق رئيس الجمهورية مع رئيس الحكومة على رفض المس بالعلاقة مع دول الخليج، وفي مقدمها المملكة العربية السعودية التي أعلنت بالأمس استعدادها للحوار مع إيران، يهاجم الأمين العام لـ"حزب الله" السيّد حسن نصرالله المملكة، ويتهمها بالإرهاب والتفجيرات".
وتساءل "هل هذا الموقف هو بالنيابة عن إيران أم ضدها أو توخيا لمصلحة اللبنانيين وتماهيا مع سياسة الدولة أم هو لمعاكستها ولتخريب علاقاتها أم لكل هذه الأمور مجتمعة؟". وشدد على أن "غالبية الشعب اللبناني ترفض هذا الموقف وترى فيه ضررا كبيرا يقع على لبنان وتدميرا للعلاقة مع السعودية التي أحبت لبنان من دون غاية".
أما الرئيس اللبناني الحالي ميشال عون حليف حزب الله فسارع بدوره للتأكيد على حرص لبنان على علاقات جيدة ووثيقة مع السعودية ودول الخليج. وقال في تغريدة نشرت على حساب الرئاسة اللبنانية بتويتر "حريصون على علاقات لبنان العربية والدولية لاسيما مع دول الخليج وفي مقدمتها السعودية وهذا الحرص يجب أن يكون متبادلا لأنه من مصلحة لبنان ودول الخليج على حد سواء"