فخ العواطف الساذجة
قبل أن نلوم الآخرين علينا أن نقف على صراحة صلبة، ونراجع أخطاءنا، أو بمعنى أدق نضبط عواطفنا بما ينسجم مع مصالحنا، ونعطي العقل فرصة لاتخاذ القرارات المصيرية المناسبة.
علينا أن نعود للبداية التي اوصلتنا لهذا الواقع، وما سبقه من مسيرة عذاب انهكت ثلاثة عقود من حياتنا، والبداية كانت في وحدة دخلناها بعاطفة وحدوية صادقة، وما نزال عالقين فيها ككذبة كلفتنا وطنا، وهوية، وتاريخا، وحاضرا ضيعناه ونحن نبحث عن خلاصنا، والخلاصة هروب دائم إلى مستقبل هو في الأساس ماضينا اللدود.
بعد ثلاثة سنوات من الوحدة خرجنا من بوابة الحلم كمرتدين، وانفصالين، وكفرة، وعشنا مرارة القهر والخذلان سنوات طوال، وحينما قررنا الهروب تقدمنا إلى الأمام فوجدنا إخوانا مسلمين، وجدوا فينا ضالتهم السياسي لتصفية حساباتهم مع نظام صالح، اقنعونا بصدق مشاعرهم وتسللوا إلى قلوبنا بخطابات، كتلك التي ألقتها توكل كرمان في ردفان إبان الحراك السلمي، فرحنا كالأطفال وصفقنا حتى تورمت أصابع أيادينا من شدة الحماس.
فتحنا لهم أبواب قلوبنا، ودفعناهم إلى المنصات كما حدث مع البجيري وغيره الكثير، وبمجرد أن سقط عدوهم، اسقطوا أهتمامهم بنا، واستلموا عصا النظام السابق ليبرحونا ضربا أشد وحشية من صاحب العصا نفسه.
لم نقف حينها لتقييم التجربة، بل هربنا مرة أخرى إلى الأمام فوجدنا حوثيين، وجدوا فينا ضالتهم السياسية، واستغلونا لمواجهة اعدائهم من الإخوان المسلمين، وحينما اسقطوهم، استلموا العصا ذاته وابرحونا ضربا أشد وأعنف.
كان علينا أن نتوقف هنا فثلاث تجارب مؤلمة كانت كفيلة بأن تعلمنا الدروس القاسية، وكيف نتقيها في المستقبل، لكننا هربنا مرة رابعة إلى الأمام فوجدنا مرة ثانية إخواناً مسلمين، وانجرفنا بذات العاطفة الغبية القديمة، ودخلنا معهم الجبهات كرفاق سلاح فغدروا بنا وطعنونا من الخلف.
استفقنا من وجع طعنة لأمست قلوبنا، لكننا استمرينا بالهروب إلى الأمام، فوجدنا مؤتمريين مغلوبين على أمرهم، فأحتضناهم ورحنا معهم في درب لا نعلم نهايته، وانتهى بنا الأمر كالعادة في فخ العواطف الساذجة.
اليوم علينا أن نتوقف طويلا أمام كل تلك التجارب ونعيد تقييمها، بالعقل لا بالعاطفة، علينا أن نتوقف عن الهروب إلى الأمام، ونحسب مليون مرة لكل خطوة، وكل موقف، وكل تحرك.