خواطر على هامش الحرب في اليمن وأوكرانيا

منبر عدن - متابعات

      7

واحدة من القضايا التي كشفت عنها الحرب في أوكرانيا هي ذلك الضخ الإعلامي الغربي- الاطلسي الهائل وقدرته على تضخيم الصغائر وتجاهل الحقائق، وهو تماما ما يسميه الساسة وعلماء النفس والإعلاميون بغسيل الأدمغة، ومقابل ذلك تجلى  الهزال الإعلامي للمؤسسة الإعلامية الروسية، التي لا تقدم الحقائق كما ينبغي ولا تتصدى للتزييفات بما تستحق من حقائق دامغة هي متوفرة ومرئية للكثير من المدققين والمتخصصين الإعلاميين الأذكياء ، فقد لاحظنا أن الإعلام الروسي لم يطرح قضية الممارسات النازية الجديدة في حق المواطنين الأوكرانيين ذوي الأصول الروسية إلا كردة فعل دفاعية بعد تعرض روسيا للهجمات الإعلامية الغربية الممنهجة والاحترافية والمعروضة بمهارة لا تضاهى.

          8

الإعلام الغربي-الأطلسي لا يقدم الزيف بالفجاجة التي تقدمها بها وسائل الإعلام العربية ولا بغبائها وهزالتها، بل إنه يعتمد على تنعيم الزيف وتسويقه للمتلقي كبضاعة مغرية ومقنعة سهلة الابتلاع والاستهلاك، مقابل تجاهل حقائق أخرى كان يمكن ان تدحض هذا الزيف، فلم تتحدث أية مؤسسة إعلامية غربية عن اتفاق مينيسك وما يلزم به النظام الأوكراني، ولا عن تمدد حلف الاطلسي باتجاه روسيا العدو التاريخي التقليدي للأطلسي، ولم تتحدث عن إبادة الآلاف من الأوكرانيين ذوي الأصول الروسية في إقليم دونباس بمقابل ذلك أظهر الإعلام الروسي، الضعيف أصلاٌ عجزاً وضعفاً في تقديم الحقائق التي تمثل الخلفية التاريخية للأزمة والحرب في أوكرانيا.

         9

 أما الإعلام العربي فقد نذر نفسه وكوادره ومراسليه وضيوفه من المحللين والمعلقين, إلا  في ما ندر, لتكرار ما يقوله الإعلام الأمريكي الأطلسي. 

فعند ما تفتح قناة الجزيرة أو العربية أو الحدث أو التلفيزيون العربي أو حتى سكاي نيوز عربية لن تجد فرقا بين ما تقوله هذه القنوات وما تقوله قنوات CNN أو NBC أو Fox News الأمريكية، أو غيرها بل إنك قد تلاقي من الموضوعية النسبية لدى قناة غربية مثل BBC ما لا تلاقيه عند القنوات العربية، التي تتصرف وكأن أمريكا ودول الأطلسي مسكينة وتنقصها تكنولوجيا وتقنيات الإعلام ومهاراته.

           10

وبمناسبة الحديث عن حرب اليمن فلا غرابة أن نرى من الإعلام العربي ما نراه عن حرب أوكرانيا، فهذا الإعلام الذي نفخ في "الشرعية اليمنية" وقدمها على إنها الجيش العرمرم الذي  سيهزم إيران ويسيطر على اليمن ثم ينتقل لمواجهة اذرع إيران حيثما وجدت، لكن الشرعيين تمسكوا بموقع المهزوم واصروا على فضح كل وسائل الإعلام العربية التي لم تكن تقدم طوال ثمان سنوات إلا ما كان يتمناه القائمون عليها، بينما كانت الحقائق على الأرض تقول شيئا آخر لم ينكشف إلا عندما بعثت القوات الحوثية رسائلها من بيحان، بعد أن أوهمنا الإعلام العربي أن قوات الشرعية على بعد 30 كم من قصر الستين بصنعاء

         11

وبالعودة إلى حرب أوكرانيا أعيد التأكيد بأنني لا أبغض شيئا مثلما أبغض الحروب بأسبابها ونتائجها وتداعياتها، لكن معرفتي المتواضعة بتاريخ الصراع الروسي-الأمريكي تجعلني أنوه إلى حقيقتين هما:

 ١. لو لم تكن روسيا هي البادئة بالهجوم على أوكرانيا اليوم لكانت أوكرانيا هي البادئة بالهجوم على روسيا بعد سنتين أو ثلاث، لكنها حينئذٍ لن تكون وحدها بل ستكون مجرد رأس حربة لجيوش الأطلسي وطيرانها وبوارجها وصواريخها العابرة للقارات، ولن يعدم قادة الاطلسي المبرر لهكذا هجوم وقت الحاجة.

 ٢. إن الحرب هي روسية -أمريكية، لكن أوكرانيا ومن ورائها الحكومات الأوروبية قبلت على نفسها أن تحارب روسيا نيابة عن امريكا، إنها حرب بالوكالة تدفع فيها أوكرانيا ثمن حماقة رئيسها الغشوم ،أو بعبارة أخرى إن أميريكا تحارب روسيا بالأوروبيين وعلى أرضهم وبمقدراتهم، وغدا عندما تنقشع غيوم الحرب (التي لا أحد يتمنى لها أن تطول) ستخرج أوروبا ومعها روسيا وأوكرانيا بطبيعة الحال، منهكةً محطمة القوى بينما تبقى أميريكا في الصدارة تماماً كما جرى معها في الحرب العالمية الثانية.

وللحديث بقية

مقالات الكاتب