الوحدة اليمنية بين تفكيـر البردوني وتكفيـر الزنداني

منبر عدن - خاص

ثمانيةٌ وعشرون مــــرة يتحدث فيها الجميع عن أسباب حرب 94م وانتكاسة المشروع الوحدوي، ولا يريد البعض - شماليون وجنوبيون- أن يعرف أن الخلاف ليس على الوحدة من ناحية المبدأ كعمل أخلاقي ووطني وإنساني، بل عن شكل الوحدة وهدفها، وما إذا كانت غاية أم وسيلة. وعن ماهية الوحدة التي أقصدها أنا وتقصدها أنت. أهي وحدة الشراكة والمساوة أم وحدة النهب والتفيد والاستعلاء؟. 

 فالإشكالية التي وقعت فيها بعض القيادات التي شاركت بصناعة يوم 22 مايو 90م ومعها بعض نخبها وأبواقها الضاجة هي تعاملها مع الوحدة باعتبارها غاية لا وسيلة، وباعتبارها قضاء وقدر من يخالفه خالف كتاب الله وشرعه، وليست مجرد فعل انساني لبلوغ الأفضل، لا تحقيقها يبلغك بالضرورة الى الجنة مع النبيين والصديقيين، ولا عدم تحقيقها سيرمي بك في الدرك الأسفل من النار مع الكفرة والملاحدة، فهي عمل دنيوي لا علاقة للدين علاقة مباشرة كما يصور ذلك تجار الدين السياسي، الى درجة ان زعم أحدهم ذات يوم بأن الآية الكريمة: ( واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا...) قصدت الوحدة اليمنية بشحمها ولحمها. 

 فالوحدة أية وحدة - هي وسيلة لتحقيق حياة مستقرة خالية من الصراعات والحروب والحرمان، تتحقق من خلالها حياة مستقرة كريمة للإنسان فردا كان أم جماعة، تحفظ فيها الحقوق والكرامة وتصان فيها الأوطان والإنسان . وليس غاية ودربٌ مطروق تتوقف عنده عقارب ساعة التاريخ.

فالانفصالي الحقيقي هو الذي يصــــرُ على إبقاء هكذا وحدة ملطخة بالدم كما هي، وأحال بالأمس حـِــبرها الأزرق الى دمٍ أحمر، يحاول اليوم الاحتيال على الآخر بحلول مخادعة سطحية  ويعتبر كل من يرفض هذه الوحدة بنسختها المشوهة او يطالب بإعادتها الى سكتها الحقيقة انفصاليا وصاحب مشروع صغير يجب سحقه ونسفه من الجذور. كما أن الوحدوي الحقيقي هو من كان وما يزال يعتبر وضع ما قبل بعد 94م لا علاقة له البتة بوحدة 90م، ويجهر بالقول والفعل بوجه القوى التي انقلبت على ذلك المشروع وتصر على المضي فيه دون مراجعة لمواقفها التدميرية وضرورة انصياعها للحق والحلول المعقولة. 

 فهل كان الشاعر العظيم والوطني الجسور عبدالله البردوني انفصاليا وهو يقول بعد أشهر قليلة من حرب 94م لصحيفة" النداء' المملوكة للصديق الجميل سامي غالب: (لا يستطيع أحد القول بأن حرب م94 انتهت ما دامت آثارها قائمة، فكل وحدة مُهيأة للانفصال، ووحدتنا منفصلة لأنها قامت على الإلغاء، فقد اعتاد الشمالي فتح البلدان وتدويخها، وأن يحكم باسم اليمن كله..)؟. 

 الانفصالي الحقيقي هو من مارس ويمارس الانفصالية قولاً وعملا باسم الوحدة وتحت الشعار المريع:( الوحدة او الموت)، وليس ذلك الضحية الذي يرفع بشعارات تخط على جدران او بهتافات وبيانات بالساحات نابعة اصلاً من شعور عميق بالظلم والعسف ومن جور الغطرسة وسيادة فكرة الأصل، برغم حقه المشروع بالمطالبة والهتاف لاستعادة دولة نُـهبت منه خلسة. 

 الانفصالي الحقيقي هو من تسمرت مؤخرته فوق كرسي الحكم وانقلب على مشروع الوحدة المدني المتمثل بوثيقة العهد والاتفاق وأجهز عليها بحرب شاملة جعل رأس حربتها حزب وداعية متأسلم متخم بفلسفة التكفير وبلغة التفجير. والوحدوي الحقيقي هو من هانت عليه دولته وجيشه ومكاسبه من أجل مشروع أكبر كان ينشده ويتوق إليه.

ذات يوم قرأتُ تعليقا لمسئولٍ ألماني كان يقارن بين وحدة بلاده ووحدة اليمن والأسباب التي أنجحت الأولى وأجهضت الثانية، قائلا: الألمان الغربيون حببوا الى قلوب الألمان الشرقيين الوحدة فكرهوا بذلك الانفصال وأحبوا الوحدة. والعكس جرى باليمن، فقد كـرّه الشماليون الوحدة بقلوب الجنوبيين فأحب الجنوبيون الانفصال وكـرِهوا الوحدة.!

مقالات الكاتب