ما الذي سيفعله العليمي مما لم يفعله عفاش وهادي وعلي محسن؟ 2
لم تفشل شرعية هادي وعلي محسن لعدم توفر إمكانيات النجاح، بل أن فشلها كان مخططاً وممنهجاً ومدروساً بإتقان، وقد حقق النافذون في هذه الشرعية من وراء هذا الفشل مئات الملايين من الدولارات وبعضهم مليارات، ولو لم يحققوا فشلهم هذا لما حصدوا مليما واحدا ولا امتلك أغناهم شقة بحجرتين في مدينة كالقاهرة أو اسطنبول، فما بالنا بشوارع وأحياء بحالها صارت تسمى بشوارع اليمنيين وحارات اليمنيين، ناهيك عمن يمتلك في باريس ولندن وبرلين وأبو ظبي ودبي والدوحة وطشقند وسواها.
ولكي تنجح شرعية العليمي ورفاقه في التخلص من أسباب فشل أسلافها عليها أن تبرهن انقطاعها الكلي عن التراث البائس لمرحلتي عفاش، هادي-محسن، وهما أساسا مرحلة واحدة لم يتغير فيها سوى الأسماء، أقول لكي تنجح هذه الشرعية في تجنب الفشل فإن عليها أن تقتلع جذور الفشل التي حافظ عليها أسلافها من خلال:
• اعتذار قادة الشرعية الجديدة ممن شاركوا في مرحلتي عفاش وهادي-محسن وعلى رأسهم الرئيس العليمي عن كل مشاركاتهم في جرائمه ومفاسد وقبائح نظام عفاش، وموبقات وأسباب فشل مرحلة (هادي-علي محسن) والاستعداد للقطع النهائي مع مخلفات تلك المرحلة، ولأننا نعلم أن الرئيس العليمي ورفاقه لن يتجرأوا على فضح وإدانة موبقات تلك المرحلة البائسة من التاريخ، فإن الأهم هو أن يبرهنوا عمليا أنهم قد قطعوا الصلة بكل ما له علاقة بها وبموبقاتها من خلال السلوك السياسي والإجراءات العملية.
لا يمكن لأحد الادعاء بأن التحديات والمهام التي تقف أمام رئيس وأعضاء المجلس الرئاسي هينة، لكن أكثر من نصف عوامل التغلب على تلك التحديات وإنجاز تلك المهمات تتوقف على الإرادة والإصرار والعزيمة فإن توفرت هذه، فإن نصف الطريق يكون قد تم عبوره وإن غابت فلن نظل إلا عند النقطة صفر وقد نذهب إلى ما دون الصفر.
وسأرجئ الحديث عن التحدي الأكبر المتمثل بحل القضية الجنوبية إلى آخر المنشور وسأتناول أهم التحديات والخطوات المطلوبة:
• واحدة من أهم التحديات أمام الشرعية الجديدة، برئاسة الدكتور العليمي، تتمثل في تشكيل أهم جهازين رقابيين، هما: هيئة وطنية (ولكن وطنية بحق) لمكافحة الفساد، وجهاز مركزي جديد للرقابة والمحاسبة، ويجب التخلص النهائي من الشخصيات التي شاركت جميع المراحل ونافقت كل الحكام السابقين حتى وصلت البلد إلى ما وصلت إليه وهي تلاحق اليوم الحاكم الجديد لتواصل تخريب ما قد يفكر فيه من تجديد، وعوضا عن ذلك اختيار العناصر الوطنية النزيهة التي لم تتورط في أي ارتباطات مع العهد السابق.
• السيطرة على جميع الموارد، النفطية والسمكية والزراعية والمعدنية وتوسيع الاستثمار فيها وتسخير عائداتها للشروع في إعادة البناء الاقتصادي والمدني والاجتماعي والعمراني، وسحب الامتيازات التي منحت للمتنفذين والفاسدين وتجار وعتاولة الحروب، لقاء موالاتهم للحاكم ومشاركته جرائمه وموبقات عهده.
• تمكين كل محافظة من الاستفادة من مواردها مع الاحتفاظ للدولة المركزية بنسبتها المئوية المركزية التي يجب أن يحددها القانون، وبالمقابل تمكين المحافظات من إدارة شؤونها التنفيذية والخدمية والتنموية والأمنية والدفاعية ورفع يد المتدخلين في شؤون المحافظات باسم هيبة الدولة والدولة منهم براء أو باسم المناطق العسكرية التي ما جنى منها الشعب إلا الخراب والفساد والوبال.
كل هذه التحديات والمهمات ليست هي الاستراتيجية الرئيسية للقيادة الشرعية الراهنة برئاسة الدكتور رشاد العليمي، ولكنه مهمات عاجلة ينبغي أن تتبناها القيادة الجديدة للبرهان على تميزها عن أسلافها وقطع الصلة نهائيا بكل موبقات الماضي البغيض القريب منه والبعيد.
• ونأتي للموقف من القضية الجنوبية.
فلا شك أن القيادة الجديدة تقف أمام اختبار جدي لمسؤوليتها التاريخية والجوهرية تجاه ثنائية الجنوب-الشمال، والوحدة-الانفصال (أو فك الارتباط أو تقرير المصير) أو أي مسمى أخر يمكن أن تتخذه عملية السير باتجاه العودة إلى وضع الدولتين الشقيقتين.
لن نكرر ما قلناه وقاله غيرنا آلاف المرات حول انتهاء وحدة 22 مايو بحرب الغزو والاجتياح البغيضة على الجنوب عام 1994م، ولن نكرر ما قلناه وقاله غيرنا آلاف المرات بأن وحدة 7 يوليو قد ماتت وثبت برهان موتها النهائي بغزوة 2015 للجنوب.
ولن نكرر ما قلناه وقاله غيرنا آلاف المرات أن الوحدة بالقوة أو بالخداع لم تقم ولن تقوم، وأن أية وحدة بين شعبين ودولتين لن تدوم ما لم تكن قائمة على التوافق وما لم تحمي المصالح المشتركية للدولتين والشعبين، وهذا ما تفتقده الحالة الراهنة التي يسمونها "الوحدة اليمنية" لكننا نشير إلى الحقائق الثلاث التالية:
1. إن شعب الجنوب الذي رفض وحدة الحرب والضم والإلحاق والاغتصاب والاجتياح قد حسم أمره ولا يمكن أن تقف ضده أو في طريقه أية قوة في العالم، ولا يمكن الرهان على تركيعه من خلال حرب الخدمات وسياسات التجويع أو محاولة دق الأسافين بين الجنوبيين ومواجهة بعضهم بالبعض الآخر.
2. لقد برهنت ثورة الحراك السلمي الجنوبية ومن بعدها المقاومة الجنوبية للمشروع الانقلابي وهزيمته في مناطق الجنوب أننا أمام شعبين مختلفين، ونحن هنا لا نفاضل بين الشعبين ولا نمتدح أحدهما أو نذم الآخر، لكن الشعب الجنوبي برهن رفضه للمشروع الانقلابي المدعوم إيرانيا، بينما عجزت الطبقة السياسية الشمالية عن صناعة تحالفات وطنية عريضة تلحق الهزيمة بالمشروع الإيراني، وتقبل الشعب في الشمال التعايش مع هذا المشروع ، مع الإقرار بمقاومة جادة من قبل الكثير من القبائل التي عجزت النخبة السياسية عن دعمها وتنظيمها.
ومن هنا على الجميع أن يقر بأن الشعب الجنوبي ليس ملزما أن يرغم الشعب الشقيق في الشمال على التخلي عن قناعاته بالتعايش مع الجماعة الحوثية ومشروعها وإجباره على مقاومتها بالقوة، بغض النظر عن رفضنا لهذا المشروع.
3. إن البديل للاعتراف بمشروعية وعدالة القضية الجنوبية وبالتالي حق الشعب الجنوبي (ومثله حق الشعب الشمالي) في تقرير مصيرهما واختيار كلٍ منهما طريق تطوره الحر المستقل، هو استمرار الحروب والنزاعات الجنوبية-الشمالية وتضييع عمر الأجيال المستقبلية مثلما أضاع الحكام على الشعبين ربع قرن ( بل نصف قرن) من الزمن كان يمكن أن ينهضا فيه لينافسا أقوى وأرقى دول المنطقة.
وفي هذا الإطار فإنني أقترح على القيادة الراهنة تشكيل فريق حوار ثنائي (جنوبي-شمالي) تكون مهمته وضع الدراسات والتصورات لرسم صيغة للحل النهائي لثنائية الشمال-الجنوب بالوسائل السلمية التوافقية وتجنيب الشعبين آلام ومآسي النزاعات والحروب التي استهلكت أعمار الأجيال دون أن تخرج البلد من دائرة التخلف والجهل والأوبئة والفساد والمواجهات والنزاعات.
والله من وراء القصد