باب اليمن .. جابوه إلى عدن
كتبت ونشرت قبل أكثر من عام تقريبا مقال بعنوان: الاستراتيجية السعودية .. الجنوب مقابل الجنوب، أي أنه ستتم مقايضة أمن واستقرار وسلامة أراضي المملكة وتحديداً جنوبها، مقابل ضمان تقدمه المملكة لمليشيات الحوثي بعدم انفصال جنوب اليمن أو تسليمه لها بعد إضعافه وإنهاكه، ناهيك عن تسليم أخر مديرتين في مأرب وهما مأرب المدينة والوادي من أصل 14 مديرية، 12 مديرية مأربية تحت سيطرة مليشيات الحوثي حالياً.
قبل عدة أسابيع كانت هناك تغريدة لنائب وزير خارجية الحوثي حسين العزي، التي قال فيها بأنها المرة الأولى والوحيدة التي يلتقون أو يتفقون بها مع المملكة في هدف واحد واستراتيجية واحدة، وهي عدم انفصال جنوب اليمن بشتى الطرق والوسائل الممكنة وغير الممكنة.
ولكي لا تتهم المملكة بتسليم ما تحرر لمليشيات الحوثي، فضلت تسليم جنوب اليمن إلى التيار الوحدوي أكانوا شماليين أو جنوبيين، وهم بدورهم من سيتولون مهمة تسليمها للحوثي كعادتهم، هذا ما ينفذ حالياً حتى تضمن المملكة حلاً وسطاً بين هذا وذاك، وبالتالي نحن ذاهبون إلى مرحلة جديدة من الصراعات والأزمات والحروب لتنفيذ هكذا مخطط مأساوي وكارثي، إلى أن يرضخ الشعب الجنوبي ويستسلم ويرفع الراية ولو مؤقتاً.
تغيب الرؤية الآنية والاستراتيجية عن القيادات الجنوبية ويتحركون وفق ما تمليه عليهم المملكة لا وفق أهدافهم الوطنية العليا، وهذا ما أكده حرفياً عضو مجلس رئاسة المجلس الانتقالي الجنوبي الشاب عمرو البيض قبل 48 ساعة تقريباً: ليس لدينا تاريخ جيد في إدارة الأزمات خاصة في الجنوب، لقد لخص البيض وجود أزمة قيادة وكوادر ذكية ومؤهلة ومحنكة في هكذا مرحلة استثنائية تقود المجلس الإنتقالي الجنوبي ووفده التفاوضي الهزيل، وبالتالي ما نحن فيه من فساد وفشل وأزمات مفتعلة وأوضاع كارثية محصلة طبيعية، بسبب أن الفريق التفاوضي فاشل بدرجة امتياز ولم يستطع انتزاع أو إحراز أي تقدم في كافة الملفات أو تحقيق أهداف استراتيجية أو حتى خدماتية ومنها رواتب القوات المسلحة الجنوبية.
والفادح من ذلك أن مهمة الهيكلة أسديت لها، رغم أنها أم المشكلة والفشل والفساد ولن تكون بالطبع جزء من الحل، وسنجد ذلك التخبط والتيه واضح المعالم في محادثات جدة التي أفضت إلى الاتفاق سيء الذكر المسمى باتفاق فخ الرياض.
إنهم يقدمون تنازلات تلو الأخرى وبصورة مستمرة تثير الريبة والشكوك، دون أن يحققوا لشعبهم ووطنهم أي أهداف سياسية أو حتى حقوقية وانسانية هم بأمس الحاجة إليها اليوم، في هكذا وضع اقتصادي ومعيشي صعب للغاية، لا زلنا نقبع في المربع رقم واحد بدون كهرباء وماء ووقود وحدودنا تنتهي بالشيخ سالم والطرية، ناهيك عن شبوة وحضرموت الوادي وغيرها من الوعود العرقوبية التي لم ينفذ منها شيء، رغم كل تلك التضحيات الجسام والتنازلات الكبيرة التي قدمت قربانا للتحالف العربي، وآخر قائد لقوات العمالقة الجنوبية هو أبو زرعة المحرمي قبل أن يتم تغييرها الى القوات البرية اليمنية بقيادة الداعري وهاشم الأحمر.
وعدت المملكة المجلس الانتقالي قبل توقيع اتفاق الرياض بتقديم دعم مالي كرواتب شهرية لـ60 الف جندي جنوبي، وهذا مالم ولن يتحقق في عدن والجنوب أسوة بالجيش الوطني الوهمي الذي ترعاه المملكة، وهذا أكبر خطأ استراتيجي فادح وجسيم نرتكبه، فرواتب القوات المسلحة الجنوبية يجب أن تكون من مواردنا المالية المحلية فقط، لماذا لم ننشأ شركات اتصالات وغيرها من المشاريع الاستثمارية لتعزيز مواردنا المالية المحلية.
تصرف من خزينة بنك عدن المركزي الذي جل موارده من المناطق الجنوبية المحررة أكانت موارد مالية أو عائدات بيع شحنات النفط الخام الجنوبي لوزارة دفاع المقدشي450 مليار ريال يمني سنويا بحسب تصريح سابق لوزير المالية الحالي الأستاذ سالم بن بريك، ناهيك عن 40 مليار ريال يمني كغذاء لجيش المقدشي الوهمي.
ناهيك عن عوائد بيع شحنات النفط الخام التي تذهب إلى البنك الأهلي التجاري السعودي ويتم التصرف بها بصورة تكاد تكون سرقة ونهب منظم للمال العام جهاراً نهاراً والشعب يعيش أسوأ مرحلة معيشية بتاريخه، وينتظر هذا الشعب منذ عدة سنوات من لئام القوم وفاسديهم وناهبيهم فتات ثرواته وخيراته.
خرج سلطان مأرب ليقول سيمد مناطق سيطرة مليشيات الحوثي بالكهرباء والغاز والنفط وكل ما يحتاجونه، بشرط استمرار الهدنة وعدم المساس بمملكته المأربية السبئية.
إلا الجنوب لم يجد حتى اللحظة من يهتم بشؤونه وشؤون مواطنيه بصدق وإخلاص بل زادوه أزمات مفتعلة فوق أزماته المستفحلة، قيادات انتهازية من الدرجة الأولى تتحكم بالمشهد الجنوبي.
باستطاعتنا تدبر شؤونا دون مساعدة من أحد، متى ما توفرت الإرادة قبل الإدارة والانتماء إلى هذا الوطن وشعبه قبل الانتماء للقرية.
قالها قبل عدة أسابيع قيادي حوثي كبير، أن المعركة القادمة سيكون حطبها أو ضحاياها 90% جنوبيين، بعد أن تحولت من حرب ضد المد المجوسي الايراني الشيعي الى أزمة يمنية لم تعد تعنينا هذه الحرب الآن، وهذا ما يرتب له حالياً بعد تنصيب وزير دفاع جنوبي رغم أن هذا المنصب كان حصرياً على الشمال كون المناطق غير المحررة شمالية، ناهيك عن الاستقطاب والتجنيد المستمر في معظم المناطق الجنوبية المحررة باسم ألوية اليمن السعيد، وتحديدا في عدن ولحج وأبين والضالع فقط، للانقضاض على العاصمة عدن أو كما يسمونها إقليم عدن.