"الخرقة" التي أرعبت الفيالق العسكرية
تداول ناشطو التواصل الاجتماعي الجنوبيون (وغير الجنوبيين) مقاطع فيديو وصور فوتوغرافية لمجاميع من العسكر وهم يطاردون عددا من الشباب الجنوبيين الذين يحملون الأعلام الجنوبية بمقابلة العسكر الذين أصروا على الاحتفال بذكرى سبتمبر المجيدة في وادي حضرموت وخوض المواجهة مع المعترضين على هذه الفعالية.
وفي نفس المنطقة (وادي حضرموت) اعتدى مجموعة من جنود وضباط المنطقة العسكرية الأولى (الشماليين) على عدد من النساء الحضرميات الحاملات للأعلام الجنوبية من خلال اقتحام الحافلة التي كانت تقلهن بعد مشاركتهن في إحدى فعاليات التصعيد الشعبي في الوادي اعتراضا على سلوك قيادات وجنود المنطقة العسكرية الأولى في التعامل مع أبناء وبنات الوادي وحضرموت والجنوب عموما، والمطالبة برحيل قوات المنطقة العسكرية الأولى من صحراء ووادي حضرموت والمهرة، وقام هؤلاء المعتديون بانتزاع الأعلام الجنوبين بقوة السلاح والاعتداء على إحداهن وتهديد السيدات حرائر حضرموت العزل من السلاح اللواتي لا يتسلحن إلا بعلم دولة الجنوب وإرادتهن الحرة التي لا سلطان عليها إلا سلطان ضمائرهن الحر وقبل هذا وبعده سلطان رب العالمين.
وفي نفس السياق قام أفراد مسلحون ظهر اليوم (الجمعة الثلاثين من سبتمبر 2022م) يعتقد أنهم من جنود وضباط نفس المنطقة العسكرية الأولى بملاحقة مجموعة من الشباب في مدينة القطن أثناء قيامهم برسم أعلام الدولة الجنوبية على جولة القطن وجوارها وقام هؤلاء العسكريون بمحاولة اعتقال الشباب كما قاموا بطمس العلم المرسوم على الجدران والحيطان
* * *
في بدايات ثورة الحراك السلمي الجنوبي خلال السنوات 2007-2010م كان "المناجمون" ممن يسمون أنفسهم إعلاميين لدى سلطة صنعاء يسخرون من حاملي العلم الجنوبي ويستهزؤون بهم، وكانوا يقولون: "هؤلاء يواجهون القوات المسلحة بـ"خرقة" ترمز للانفصال، ويريدون أن يمزقوا الوطن بهذه "الخرقة"".
قلت مرة لأحد زملائي في البرلمان اليمني (طويل العمر): "الخرقة" التي تسخرون بها ليست مجرد قطعة قماش ملونة بالألوان المعروفة، لكن الناس يدفعون أرواحهم وهم حاملين لها لأنها ترمز لعزتهم وكرامتهم وماضيهم ومستقبلهم ونضال آبائهم وأجدادهم وأرواح شهدائهم وهويتهم وتطلعاتهم إلى الحرية والانعتاق من كل تبعية، ومع ذلك ما دمتم ترون فيها مجرد "خرقة" فلماذا تحشدون الحشود لمواجهة حامليها ولماذا تسفكون دماءهم وتزهقون أرواحهم وترتكبون جرائم ضد الإنسانية خوفاً من هذه الـ"خرقة".
* * *
لا بد من الإشارة هنا إلى أنني لست ضد أن يحتفل السبتمبريون بالعيد الستين لذكرى سبتمبر فهذا من حقهم، لكن المنطق والحكمة يقولان أمرين لم يأخذ بهما المحتفلون بالإكراه.
فالمنطق يقتضي أن من يحتفل بمناسبة معينة مثل مناسبة ثورة 26 سبتمبر، عليه أن يحتفل بها في بلاده وبين أهله وفي ظل حريته وحريتهم، لا أن يذهب لاحتلال أراضي الغير ويترك أرضه تحت احتلال من قامت ضدهم هذه الثورة ثم يجبر أبنا المناطق التي يحتلها على الاحتفال بالمناسبة التي قدم هو رأسها هدية لأعدائها.
والحكمة تقول إن تنظيم الاحتفال بأية مناسبة في ظل جمهور يرفض هذا الاحتفال يمثل حماقة وغباء مركبين، لإنه يهين الثورة بإجبار الناس على الاحتفال بها رغماً عنهم، ويدفع من لا يزال يحترم مبادئها وشعاراتها (الموؤودة) إلى كره هذه المناسبة وازدرائها مهما كانت قدسيتها في نظر البعض، وهذا النوع من السلوك يحول ما تبقى من معاني نبيلة للثورة إلى تصرفات مقيتة، لا يقدم عليها إلا من يهدف الإساءة إلى ما تبقى من ذكريات مشرقة لهذه الثورة الموؤودة.
* * *
القوات التي تواجه أبناء وبنات وادي حضرموت بقوة السلاح لإجبارهم على إنزال العلم الجنوبي (الخرقة) هي نفس القوات التي كانت تمارس القتل والإرهاب بحق نشطاء ثورة الحراك السلمي منذ العام 2007م في مناطق عدن ولحج وردفان والضالع وأبين وشبوة، ولمن نسي نعيد إلى الذاكرة أن قائد معسكر الحمزة في منطقة الراحة بردفان، كان اسمه يحيى أبو العوجاء وقام بنفسه بتوجيه قواته بقتل كل من يحمل العلم الجنوبي، وبلغ عدد ضحايا هذه الحملة بالآلاف، منذ العام 2007 حتى 2012م حينما نقله الرئيس عبد ربه منصور هادي إلى المنطقة العسكرية الأولى وهو اليوم من يمارس نفس السياسة ونفس البطش والقتل ضد أبناء وبنات حضرموت.
أمثال أبو العوجاء وهم كثر وما يزالون يتحكمون في صناعة القرار السياسي من داخل الشرعية ومن خارجها، لم يتعلموا من الخيبات التي أذاقهم الدهر مراراتها ولم يدركوا أن الشعوب لها إرادات لا تقهرها الفيالق ولا الدبابات والطائرات، ولم يتعلموا أن مواجهة إرادة الشعب هي أشبه بالوقوف في وجه السيل الجرار الذي سيجرفهم من طريقه.
* * *
"الخرقة" التي يتحدثون عنها هزمت أقوى جيش في الجزيرة العربية وأعتى مليشيا وأشرسها في التاريخ اليمني، واندحر هؤلاء خائبين وارتفعت "الخرقة" ترفرف في عنان سماء الجنوب كله، والذين لا يزالون ينظرون إليها على إنها مجرد "خرقة"، هم اليوم مشردون يبحثون عن مأوى يلوذون به في شتى بقاع الدنيا، ومن نجا منهم هو اليوم تحت هيمنة السيد القادم من كهوف القرون الوسطى.
فهل يتعظ هؤلاء؟؟