الهدنة أمام اختبار التصعيد الحوثي

منبر عدن - مكة

انتهت الهدنة في 2 أكتوبر الجاري، ولم تنته محاولات تمديدها، والجهود في هذا مستمرة، مع بقاء كثير من امتيازاتها كفتح مطار صنعاء وميناء الحديدة، رغم انتهاء وقت الهدنة الفعلي، وتعنت ميليشيات الحوثي في قبول تمديدها، ورفضها مقترح المبعوث الأممي في التمديد لستة أشهر، استمرارا لرفضها وتنصلها عن تنفيذ ما عليها من التزامات في الأشهر الماضية للهدنة، وعدم إلزامها بالتنفيذ من قبل الوسيط الأممي.

يظهر واضحا في استمرار الرفض الحوثي للتمديد، وتهديداته أخيرا في شن هجمات واسعة على مصالح مدنية واقتصادية، ثم استهدافه بطائرات مسيرة الموانئ النفطية في شبوة بتاريخ 18 و 19 أكتوبر، وحضرموت في 21 من الشهر نفسه. إنه يبحث عن هدنة تحقق له مطالب غير متفق عليها خلال مفاوضات التمديد، مستغلا رغبة الحكومة الشرعية ومجلس القيادة الرئاسي في تمديد الهدنة لأسبابها الإنسانية، ورهانه على تعاطيهم الإيجابي في المفاوضات، سعيا منهم لتحقيق هدنة تخفف وطأة الوضع المعيشي الصعب للسكان في مناطق سيطرة الحوثي، وحتى أنه يضع في حساباته حاجة دولية وظروف إقليمية يهمها استقرار المنطقة، خاصة مع قرب انطلاق كأس العالم 2022 في قطر، وما تحتاجه الدول المجاورة لقطر - التي ستكون وجهة الزوار والجماهير - لنجاح البطولة من استقرار لا يفسده إرهاب الحوثي.

 

وأمام التصعيد الحوثي الأخير في استهداف موانئ تصدير النفط، بات من الضروري أن تتجاوز مواقف الحكومة الشرعية حالة التنديد والاستنكار، إلى أفعال ترغم الحوثي على وقف تهديده، وتحيد مصادر خطورته، ثم يكون لفريقها التفاوضي في أي مفاوضات أفضلية طرح وفرض شروط السلام، بالطريقة التي تراها أنسب لمصلحة الشعب، لا انتظار سلام محفوف بالمخاطر، وملغم بالنوايا السيئة، يحقق ما يريده الحوثي، لا ما تريده الشرعية والشعب، أما استمرارا الحديث عن الهدنة في ظل هكذا ممارسات عدوانية، فالحوثي يراه ضعفا في الشرعية وفي قدرتها على الرد، رغم ما لديها من قوة عسكرية تفوق في عددها وعتادها ما لدى الحوثي، وتملك قدرة أخذ زمام المبادرة في الجبهات.

 

لم يقتصر التهديد الحوثي الأخير على القول بتوسيع هجماته في الداخل اليمني تجاه المنشآت المدنية النفطية، بل كانت بياناته تحمل رسائل عن سعيه لاستهداف شركات النفط الأجنبية في الداخل ودول المنطقة، واستهداف خطوط الملاحة الدولية، وهكذا تناولات تهدد أمن الاقتصاد العالمي لا يمكن القبول بها، والتغاضي عنها، ويجب أن تفضي إلى اتخاذ موقف دولي حازم، يتوافق مع مطالب الحكومتين اليمنية والسعودية من المجتمع الدولي بتصنيف ميليشيات الحوثي جماعة إرهابية، واتخاذ أقصى الإجراءات تجاهها، وتجاه النظام الإيراني الداعم لها، فالمستهدف والمتضرر هنا اقتصاد العالم أجمع، كونه يستهدف أكبر منتجي الطاقة، وأكثر خطوط الملاحة حركة، وقدرة الميليشيات على تنفيذ تهديداتها لا تعني القوة، فالتعطيل واستهداف المصالح لا يحتاج إلى قوة، بل إلى إرهاب وسلوك غير متزن تمتهنه الميليشيات في كل زمان ومكان، فقبل الحوثيون، فعل الأمر نفسه قراصنة الشرق الأفريقي في عرض البحر العربي وخليج عدن وعرضوا خطوط الملاحة لمخاطر كبيرة طوال سنوات.

 

خيار الميليشيات هو الحرب، ليس من قوة تملكها، بل لأن في الحرب فرصة للهروب من استحقاقات يطالب بها الشعب الخاضع عنوة تحت سلطتها في مناطق سيطرتها، لكنها وجدت أيضا في أشهر الهدنة السابقة فرصة لتعزيز مصادرها المالية، فاتخذتها بابا للتجارة وليس لغاية إنسانية، ولذلك ترى أنها مستفيدة في كلا الحالتين، من الحرب والهدنة، تستفيد من الحرب في استغلال كل الموارد، ومنع إنفاقها بما يستفيد منه الشعب في مناطق سيطرتها، بذريعة استخدامها في مجهودها الحربي، وخلف هذه الذريعة يستأثر قادتها بحصص كبيرة منها، ومن الهدنة تستفيد بما يعود عليها من ضرائب وجمارك شحنات النفط الداخلة عبر ميناء الحديدة، وكذلك مكاسب بيع شحنات النفط نفسها، والعائدة لها ولشخصيات قيادية فيها، وما بين الحالتين لا تضع للشعب أهمية في حساباتها.

وإذا كانت الحرب خيار الميليشيات الأفضل، فالسلام هو خيار الشرعية الأول، لكن تكرار القبول بمطالب الميليشيات في كل تمديد للهدنة يدفعها لطلب المزيد، وهذا لن يفضي إلى سلام عادل، بل إلى تقوية الميليشيات، وترميم انكسارها، وتعزيز قدراتها، يمكنها لاحقا إذا انتهت الهدنة من استعادة بعض ما خسرته من أرض، والتعاطي الإيجابي من الشرعية في مفاوضات التمديد لا يجب أن يكون غير مشروط، ولعلها بحاجة أكثر من أي وقت مضى إلى ترك تعاطيها المرن، وتصعيد الموقف، حتى لا تظن الميليشيات أن القبول المستمر ضعف.

مقالات الكاتب