الشرعية اليمنية وسرعة السلحفاة
يبدو أن الحالة السلحفائية في نشاط الشرعية اليمنية هي حالة وراثية يتناقلها الشرعيون من جيل إلى جيل ولا يمكن للبلد أن تخرج منها مهما استُبدِل الأفراد وتغيرت الأسماء والمسميات.
إنني أتحدث عن شرعية ما بعد 2012م، دون أن يعفي ذلك "شرعية" ما قبل ذلك التاريخ من عيوب قد يفوق أثرها التدميري أثر سلحفائية اليوم، لكن هذا ليس موضوع حديثنا.
أكثر من نصف عام مضى على تشكيل مجلس القيادة الرئاسي، وبعد جرعة التفاؤل التي رافقت تشكيل هذا المجلس اتضح أن الأعضاء الثمانية لا يستطيعوا أن يقهروا الأسباب والمعيقات التي ورثوها عن سلفيهم، (أعني هنا الرئيس السابق ونائبه السابق) بغض النظر عن التفاوت بل والتمتايز والاختلاف في القدرات والمواقف والنوايا والأهداف فيما بينهم، فلا استطاعت الشرعية الجديدة أن تعيد الخدمات الحيوية الأساسية للعاصمة عدن وعواصم المحافظات الجنوبية (منطقة نفوذها وشرعيتها) وأهمها خدمات الصحة والتعليم والمياه والكهرباء والوقود ودفع مرتبات الناس الموقوفة منذ فترات متفاوتة قد تصل إلى السنوات في بعض المرافق، ولا هي استطاعت أن تعيد تحصيل الموارد الوطنية إلى الخزينة العامة وتسخيرها لتغطية الاستحقاقات الرئيسية الملحة ، ولا هي استطاعت أن تعيد بناء المؤسسة العسكرية والأمنية على النحو الذي يجعلهما مؤهلتين لمواجهة الإرهابين الحوثي والداعشي، ولا هي استطاعت أن تعيد بناء المنظومة الإدارية والتنفيذية وتدعم تفعليها على النحو الذي يساهم في تحسين مستوى أداء المؤسسات لوظائفها الحيوية ولا هي استطاعت أن تحاسب هذه الحكومة البائسة ورئيسها الذي لم يفلح إلا في تعيين المقربين وإزاحة الشرفاء واستجلاب ملايين النازحين إلى عدن ومنحهم ملايين الدولارات ليستوطنوا فيها إلى الأبد، ناهيك عن الفشل الكبير في الوظيفتين الدبلوماسية والإعلامية.
هذه السرعة السلحفائية تتزامن مع سرعة الأرنب التي يمضي بها المشروع الانقلابي السلالي العنصري المعادي للشرعية قبل غيرها، والمتحكم في مساحة وسكان وموارد وخيرات الجمهورية العربية اليمنية (السابقة) والذي صار اليوم يبتز العالم مراهناً على حجم الدعم الذي يتلقاه من الصانع الأساسي والمتمثل في التفوق العسكري واستخدام الصواريخ البالستية والطائرات المسيرة ومهاجمة مواقع حيوية مهمة لا يميز في هجماته هذه بين الأهداف العسكرية والمنشآت والمرافق المدنية والخدمية والاقتصادية حتى صار بإمكانه مهاجمة المقر الذي يقيم فيه أعضاء المجلس الرئاسي أنفسهم، فضلا عن مهاجمته للبلدان الشقيقة المجاورة، بينما لا تستطيع قوات "الجيش الوطني" مهاجمة معسكر أو نقطة عسكرية أو حتى دشمة حوثية يمكن رؤيتها بالعين المجردة من قبل قوات ذلك (الجيش) الشرعي.
لا يمكن للشرعية والشرعيين أن يفلحوا في تأدية المهمات الجسيمة ويتصدوت للتحديات الكبيرة التي تنتصب أمامهم وأمام الشعبين في الجنوب والشمال، وهم يعيشون حالة الاسترخاء هذه التي لم تغير مثقال ذرة في حياة المواطنين، وربما تدفعهم (أي المواطنين) نحو المزيد من المعاناة واليأس والإحباط، في حين يستعيض الشرعيون عن تأدية هذه المهمات بالخطابات والتصريحات والمقابلات التلفيزيونية والصحافيىة التي ما أسمنت ولا أغنت من جوع.
المواطنين الجنوبيين ومعهم مواطني المديريات الشمالية التي تقع تحت سيطرة الأحزاب المحسوبة على أنصار الشرعية، كل هؤلاء المواطنين لا يأبهون بالخطابات أو التصريحات الصحفية، ومن لديه جهاز تلفاز ربما يغير القناة قبل بدء المقابلة أو الخطاب أو التصريح، الذي يصدر عن أحد القادة الشرعيين بعد أن أصابهم الملل من كثرة تكرار العبارات والمفردات التي لم تغير شيئا على أرض الواقع، فهي لا تعطي المواطن، حبة أسبرين ولا قرص رغيف خبز ولا ساعة كهرباء أو لتر وقود أو قنينة ماء شرب نقية، لهذا لا يستمع المواطنون لخطاباتكم أيها السادة.
السلحفائية مرض موروث كما قلنا، لكنه قد يكون عملاً ممنهجا الهدف منه استمرار معاقبة الشعب الجنوبي أولاً، ومعه مواطني المديريات التي تتحدى الحوثي وتقاومه، ولمَ الاستغراب؟ فبين القادة الشرعيين من كانوا حتى وقت قريب على ودٍ ومحبةٍ مع صاحب المشروع الطائفي، وربما وجدوا فيه حليفاً أقرب إليه من الشعب الجنوبي بكل ملايينه ومشروعه الوطني العادل.
ولمَ الاستغراب مرةً أخرى؟ فقد قال أحد مفتييهم "خلافنا مع الحوثي خلاف أيديولوجي وليس خلافا وطنياً بعكس الانفصاليين الذين يسعون إلى تمزيق اليمن، فالحوثي مع (الوحدة اليمنية) بينما الانفصاليون ضد (الوحدة اليمنية)"