الصراع بين الشذوذ والفطرة

منبر عدن

" المثلية" ، " الحريات الجنسية"، "العلاقات الجنسية غير التقليدية" ، "مجتمع الميم" "الجنس الثالث" وغيرها من المترادفات ليست سوى تسميات، "ملطفة" (أو هكذا يعتقدها مروجوها) للشذوذ الجنسي، المعروف في اللغات العادية وحتى الفصحى القديمة،  بعلاقات اللواط والسحاق.
أين يكمن جذر المشكلة ؟
ظاهرة الانحراف الجنسي كحالات شاذة هي ظاهرة قديمة ترتبط بمراحل مبكرة من تاريخ الإنسانية، ويحفل التاريخ البشري بالكثير من القصص التي وردت في كتب التدوين والتفسير وحتى الكتب السماوية عن هذه الظاهرة ولعل من أبرزها ما عرف تاريخياً بـ"قصة قوم لوط" والقصة موجودة في التوراة والإنجيل كما في القرآن الكريم، ومن اسم النبي لوط جاءت المفردة العربية المعروفة.
وفي نظري أن هذه الظاهرة كحالة تاريخية يمكن إعادتها إلى نوعين من الاسباب:
اسباب عضوية (بيولوجية) وترتبط بوجود اختلالات عضوية وهرمونية في جسد المريض (أو لنقل صاحب الحالة) كزيادة هرمونات الانوثة عند بعض الذكور او زيادة هرمونات الذكورة عند بعض الإناث، أو حتى حالات الخنثى التي تكون فتى أو فتاة بعضوين جنسيين مختلفين، وهذه الحالات شاذة وقليلة مثل حالات الشذوذ نفسه ومعالجة هذه الحالات يفترض أن تتم "كلينيكيا" أي في العيادة والمستشفى من خلال عرضها على الطبيب المختص ومعالجة السبب، لكن ليست كل الحالات تعرض على الطبيب، ولا كل المرضى يقبلون بالعلاج أو حتى يخضعون له.
النوع الثاني من الأسباب هو الأسباب الاجتماعية وترتبط إما بسبب انحرافات سلوكية عند بعض الافراد الذين لم يتربوا التربية الأخلاقية والأسرية الكافية، وهذا حالات فردية، ليست موضوع بحثنا، وإما  بحالة انهيار أخلاقي في أي مجتمع من المجتمعات، وما "قوم لوط" إلا صورة من هذه الصور.
وفي كل الأحوال فقد ظلت هذه الظاهرة محل ازدراء وبحث عن وسائل لمعالجة الأسباب، وليس صدفةً أن الأديان السماوية (وحتى غير السماوية) ازدرتها وحرمتها ولعنت ممارسيها.
حتى ما قبل أربعة أو ثلاثة عقود كان الساسة في المجتمعات الغربية،  المتهمون بالشذوذ الجنسي يفقدون مكاناتهم السياسية القيادية لمجرد انتشار إشاعة أنهم من الشواذ.
فكيف تحول الشذوذ إلى سياسات رسمية، وإلى محور من محاور تقييم العلاقات بين الدول؟ ولماذا ترصد بعض الدول الموازنات وتسخر وسائل إعلامها، وتنفق الملايين للترويج لما يسمونه بالمثلية الجنسية (أي الشذوذ الجنسي) والأسوأ من هذا كيف نفهم توجه بعض الدول إلى إضافة مادة دراسية عن "المثلية الجنسية" إلى منهاج التعليم في مدارسها الابتدائية والثانوية ؟
إنه مرض من أمراض الرأسمالية الحديثة المتوحشة  التي تتحكم اليوم بصناعة السياسات في معظم الدول الغربية وبالتالي في كل العالم، وهي التي بدأت تاريخها بمسمى الليبرالية والحرية الاقتصادية، فانتجت الاستعمار والعنصرية والنازية والفاشية والإمبريالية المتوحشة والحروب العالمية ولم يبقَ أمام منظريها ومراكز صناعة سياساتها إلا المجال القيمي (الأخلاقي) لكسر روادعه وموانعه حتى لا يبقى للمجتمع البشري جدار حماية يقيه أمراض وأوبئة وعلل هذه الرأسمالية الإمبريالية الحديثة المصابه بالتخمة والتضخم وعلامات الشيخوخة ، وهي التي حولت كل شيء من الملابس والاحذية إلى الغذا والدواء حتى الاخلاق والقيم إلى بضائع تخضع لقانون المنافسة الرأسمالية البغيض "قانون العرض والطلب".
من الممكن أن نتفهم أن يقول منظرو الراسمالية الحديثة، ان الحرية الشخصية تكفل للرجل والمرأة حرية اختيار الشريك الجنسي، وهذا بالتاكيد يثير من التقزز والنفور أكثر مما يثير من التعاطف والاستحسان أو حتى الحيادية واللامبالاة حتى في المجتمعات الغربية نفسها، لكن كما قلت يمكن تفهم هذا بالنظر إلى معايير ومفاهيم المجتمعات الراسمالية الحديثة،  بيد إنه عند ما تتحول القضية إلى سياسة رسمية، وتشن الحملات الإعلامية ضد الرافضين لها وتتوتر علاقات بين دول، كما جرى في الحملة الإعلامية الغربية الظالمة ضد دولة قطر التي رفضت الترويج للشذوذ أثنا مونديال الدوحة ٢٠٢٢م، رغم سماحها للأشخاص المناصرين لهذه اللوثة بالمشاركة في المونديال، تحت ضغط المنظمات الدولية، أقول- عندما تغدو القضية هكذا فإن الأمر لا يمكن فهمه إلا على أن الانحطاط الأخلاقي والشذوذ القيمي قد تحول من حالة مرضية تبحث عن معالجة إلى سياسات رسمية تضرب المجتمعات في مقتل.
الشذوذ الجنسي المقونن والمروَّج له رسمياً، جزء من شذوذ كبير يتعلق بمقومات ومداميك تماسك المجتمعات، وهو اداة من ادوات الرأسمالية المتوحشة التي لا ترى في سائر البشر إلا مادة استهلاكية تصنع ارباحاً هائلة تحققها شركات الانتاج والتسويق الرأسمالية الكبرى، أو ما اسماها كارل ماركس في كتابه "رأس المال" بـ"القيمة الزائدة"، فالرأسمالية الحديثة تحتاج إلى مجتمعات رخوة غير محصنة بمنظومة قيم راسخة، مجتمعات لا تعرف الغيرة ولا الإرادة الصلبة والقدرة على التحدي، بل إن ما يحكم معظم مكونات هذه المجتمعات هو الشهوة والغريزة البهيمية وهذا النوع من القاعدة الجماهيرية العريضةلا يقاوم الظلم والتمييز والعنصرية الجديدة، ولا يثور ولا يتمرد إلا عندما ينتقص إلى الحاجات الشهوانية وإشباع الرغبات الغريزية، وهؤلاء من السهل إدارتهم والتحكم في ميولهم وتحركاتهم وحتى الاستجابة لتلك الحاجات الغريزية لأن الذي لا يعرف الغيرة ولا يبني مواقفه على منظومة قيم هي بمكانة العقيدة، لا يمكن أن يرتقي بتفكيره إلى مستوى أن يخطط لتغيير المجتمع إيجابياً باتجاه العدل والتماسك والسمو الإنساني، ببساطة لأن "فاقد الشيء لا يعطيه".
ومع هذا أعتقد أن الشذوذ المقونن لن يصمد عقدين أو ثلاثة عقود من الزمن، ذلك إن خالق الكون لم يخلق الكائنات من ذكر وأنثى صدفةً بل إنه قانون البقاء أو كما أسماه تشارلز داروين بـ"قانون الحفاظ على النوع" ولست أدري إن كانت حكومات الدول التي تروج للشذوذ ستكتشف ذات يوم بأن مجتمعاتها تذهب باتجاه الانقراض بسبب انحسار معدلات الإنجاب، فالرجل لا ينجب من الرجل والمرأة لا تنجب من المرأة، والسؤال هو هل سيكترث حكام ذلك الزمان لمثل هذه الظاهرة أم أنهم سيتجاهلونها أو سيستوردون سكاناً من بلدان الانفجارات السكانية التي ترفض الشذوذ؟
وأخيرا:
وللإنصاف ولمقاربة الحقيقة ليس كل أفراد المجتمعات سيقبلون بمثل تلك العلاقات الشاذة، حتى لو صارت إجبارية، كما قال أحد المفكرين الغربيين، وليس كلهم سيفتقدون المقومات الآخلاقية والقيمية وروح الابتكار والإبداع والعطاء التي فطر الله الكون عليها، لكنه الشذوذ سيأخذ مداه مثل كل الأدواء والأوبئة والجوائح المرضية التي ضربت المجتمع البشري من الطاعون إلى كورونا، ثم سيتعافى المجتمع البشري وسيحصن نفسه بالمناعة الآخلاقية مثلما يتحصن ضد الطاعون والحصبة والسعال الديكي والأنفلونزا وكورونا.
والله وحده أعلم وإن عداً لناظره قريب!

مقالات الكاتب