هل سيحرر الجنوبيون الشمال من الشماليين؟؟
لماذا أعلن المتحدث الرسمي باسم قوات التحالف العربي تركي المالكي عملية “حرية اليمن السعيد” بعد سويعات من إعلان قوات العمالقة الجنوبية خلو محافظة شبوة من أي وجود حوثي بتحرير آخر مديرية من المديريات التي سلمتها سلطات شبوة المحلية السابقة وقواتها المسلحة للحوثيين كعربون صداقة قادمة؟
وتتفرع من هذا السؤال سلسلة أسئلة أخرى منها مثلاً:
– ما الفرق بين هذه العملية وبين عاصفة الحزم؟
– وما الجديد الذي سيأتي به التحالف العربي لإنجاح هذا المسمى؟
– وبأي قوة ستعطى لــ”اليمن السعيد” حريته؟
تصريحات السيد المالكي تبين أن الأشقاء في قيادة قوات التحالف العربي ما يزالون يتحركون تبعا لحماس لحظة النشوة، وأن الانتصار السريع الذي حققته قوات العمالقة الجنوبية بمشاركة قوات النخبة الشبوانية والدعم الجوي لقوات التحالف العربي وتحرير ثلاث مديريات في أقل من اسبوعين بعد أن عجز “الجيش الوطني” بفيالقه الجرارة عن تحرير شبر واحد منها على مدار أكثر من ثلاثة أشهر- أقول من الواضح أن الناطق الرسمي للتحالف بنى على هذا الانتصار الحاسم للقوات الجنوبية والهزيمة المدوية للحوثيين حديثه عن عملية “حرية اليمن السعيد”.
وكم كنت أتمنى لو أن من صاغوا هذه العملية ورسموا خطتها (إن كانت هناك خطةّ مدروسة وجاهزة للتنفيذ) قد حاولوا الإجابة على السؤال التالي:
– لماذا يُهزَم الحوثيون في الجنوب وينتصرون في الشمال؟
والحديث هنا عن هزائم الحوثيين في الجنوب وانتصاراتهم في الشمال لا علاقة له بموقفنا السياسي من الصراع وأطرافه، ولكنه تعبيرٌ عن حقائق تتكرر منذ 8 سنوات وليس آخرها تحرير بيحان من السيطرة الحوثية وقبلها سقوط العبدية والجوبة وجبل مراد بأيدي الحوثيين.
إن الإجابة على هذا السؤال وضمنيا على السؤال عنوان هذا المنشور يستدعي التوقف عند الحقائق التالية:
1. إن عدد سكان الجنوب لا يتجاوز ستة ملايين نسمة بينما عدد سكان الشمال يتجازو الخمسة والعشرين مليون نسمة، أي أن سكان الجنوب هم أقل من 20% من إجمالي السكان، وعلى هذا التناسب يمكن قياس حجم القدرة على مقاومة المشروع الحوثي فما لم يحققه 80 % لا يمكن أن يتحقق على أيدي المقاومة المعبرة عن 20%.
2. من البديهي أن مهمة تحرير الشمال تقع على المواطنين الشماليين ونخبهم السياسية وقواتهم العسكرية، ومثل ذلك ينطبق على الجنوب الذي لم يحرر أرضه غير الجنوبيين وحدهم، وهذا بطبيعة الحال لا يمنع التعاون والمؤازرة المتبادلة بين كل من يرفض المشروع الحوثي – الإيراني، غير إنه لا يعني أن ينوب الجنوبيون عن الشماليين أو الشماليون عن الجنوبيين في تحرير أرضهم، وهذا ما أكدته عمليات تحرير عدن ولحج والضالع وأبين في العام ٢٠١٥ وأخيرا شبوة في يناير ٢٠٢٢م.
3. إن أسباب هزيمة الحوثيين في الجنوب متعددة لكن أهمها غياب اية حاضنة شعبية لهم، فمهما حاول الحوثيون زرع أية جيوب هنا أو هناك لم ينجحوا ولن ينجحوا في تحقيق ما يسعون إليه من اختراق للمجتمع الجنوبي، بينما يعلم الجميع أن الحوثيين يحضون بتأييد ملايين المواطنين الشماليين الذين يعتبرونهم قادتهم التاريخيين ويعتبرون الرئيس عبد ربه منصور هادي عنصر أجنبي على أرضهم ويدعون لمحاكمته بتهمة الخيانة الوطنية.
وحتى في المناطق غير الزيدية نجحت الحركة الحوثية في كسر شوكة كل من حاول التصدي لمشروعها واستقطاب بعض الزعامات القبلية التي تبني مواقفها على قاعدة “من تزوج أُمَّنا هو عَمُّنا” وهو ما لم تنجح فيه الحركة في الجنوب.
4. إن قوات العمالقة والمقاومة الجنوبيتين قد هزمت القوات الحوثية لأنها كانت تقاتل في أرضها وبين أهلها وبني جلدتها، لكن تورطها في محافظات الشمال سيحولها من قوة تحرير إلى قوات تقاتل في غير أرضها، وسيعتبرها الكثيرون قوات غازية، وسيقف في وجهها الكثير من الأهالي الذين سيعتبرونها، تبعا للتعبئة الحوثية، قوات عدوان وعناصر داعشية وعملاء لأمريكا وإسرائيل، كما يقدمها الإعلام الحوثي.
5. إن المهزومين في معركة تحرير بيحان لم يكونوا الحوثيين وحدهم بل لقد هُزِمَ معهم أصحاب مشروع إخضاع شبوة للغزاة من خارجها، وبالتالي فأن كل هؤلاء سيتحولون إلى قوة مواجهة لأي حضور جنوبي في مناطق المواجهة، فالذي سلم فرضة نهم ومحافظة الجوف وغالبية مأرب وكل البيضاء للحوثيين لا يمكن أن يقبل بأن يأتي غيره ليحررها من أبنا عمومته، وبالتالي فإن القوات الجنوبين ستواجه كل القوات العسكرية الشمالية بمحتلف مسمياتها، حوثيةً كانت أو إخوانية أو داعشية وقاعدية وسواها.
6. إن قوات المنطقة العسكرية الأولى في وادي وصحراء حضرموت والمهرة ما تزال تتخذ موقفاً غير واضحٍ من ثنائية (الشرعية-الانقلاب) ومؤخرا ظهر تسجيل فيديو للرئيس السابق صالح يقول فيه إن هذه القوات تستلم مرتبين واحد “من أنصار الله (كما سماهم) والثاني من السعودية تحمي به نفسها من ضربات الطيران السعودي” وتلك حقيقة أكدتها عشرات
الحوادث أهمها رفض توجيه رئيس الجمهورية بالتحرك للدفاع عن مقاومة حجور في محافظة حجة وأخير رفضها التوجه للدفاع عن مأرب وفك الحصار الحوثي عنها.
وقد جاء حديث المتحدث الرسمي تركي المالكي صادما بقوله أن هذه القوات تخضع لوزارة الدفاع اليمنية، ما فهم منه أن التحالف العربي لا سلطة له على هذه القوات ولا علاقة له بتحركاتها ومواقف قيادتها من الشرعية والحوثيين.
ما جعلنا نشير إلى هذه القضية هو أنه لا يمكن للقوات الجنوبية أن تحرر أرض من يحتلون أرضها، والأولى بهؤلاء أن يتوجهوا لتحرير أرضهم بدلا من بقائهم في منطقة كل مهمتهم فيها هي حماية آبار النفط التي يمكن أن يقوم بها أبناء حضرموت أنفسهم.
وخلاصة القول إنه لا يمكن لمقاومة قوامها يمثل 20% من السكان أن تحرر أرض يقطنها 80% من مجموع هؤلاء السكان ما لم يَقُم هؤلاء السكان أنفسهم بتحرير أرضهم بأنفسهم، إلا إذا كان القصد من الزج بقوات العمالقة في معارك الشمال، هو التخلص من هذه القوات بعد أن بدت تمثل خطراً على الراغبين في استمرار الاستثمار في الحرب وإطالة مداها، دعوكم من برقيات التهاني ومقالات المدح ومنشورات الإعجاب الزائفة التي لا تقدِّم ولا تؤخِّر.