عن "وحدة " و"تمزيق" اليمن
أطرف ما يمتلئ به الإعلام السياسي اليمني التابع لدعاة "الوحدة أو الموت" ذلك الابتهاج المتصاعد الذي يستحوذ على العناوين الرئيسية لكل المواقع والمنصات والصحف وصفحات التواصل الاجتماعي التابعه لهؤلاء، بمجرد صدو بيان من هذه المنظمة أو تلك أو تصريح من هذا المسؤول الأجنبي أو ذاك الدبلوماسي أو مقالة هنا أو مقابلة هناك يؤكد صاحبها أو أصحابها على دعمهم لرباعية (أمن واستقرار وسيادة ووحدة اليمن)، فتنطلق الزغاريد وتدوي التغاريد وترتفع التهليلات والتكبيرات، ابتهاجاً بورود "وحدة اليمن" في هذا النص أو ذاك، ويتجاهل أصحاب هذه التهليلات والتكبيرات بقية النوتة (أمن واستقرار وسيادة) اليمن، فهذه ليست ذات أهمية لهؤلاء رغم أنها أكثر ضرورة وأكثر حيوية وحتمية وارتباطاً بمصير الشعب والأمة ومستقبل الأجيال من أي اعتبار آخر، لكن هؤلاء ليسوا مشغولين بها أكثر من انشغالهم بكل ما هو بعيد المنال.
غالبية إن لم يكن كل المثقفين والكتاب والصحفيين والأكاديميين اليمنيين (الشماليين)، فضلا عن القادة والناشطين السياسيين يمينيين ويساريين، خكاماً ومعارضين، شرعيين وانقلابيين، لا يتحدثون عما تشهده البلاد من اقتتال وشلالات دماء وهدم منازل وأتاوات جائرة وارتكاب محرمات وانتهاك أعراض بحق أبناء وبنات البلد ولا عن كل المنكرات التي تغضب الله ورسوله دعك من حرب الخدمات وسياسات التجويع التي تمارسها حكومة معين عبد الملك ضد الجنوبيين والجنوبيات وانتشار الأوبئة والمجاعة وكل الويلات والمآسي التي يعيشها الشعبان في الجنوب والشمال، أقول لا يتناولون هذا الركام الهائل والمرعب من الويلات والعذابات والموبقات ببعض الكلمات حتى ينتقلوا إلى التحذير من "تمزيق اليمن" ولا يفوت البعض أن يندد بمحاولات "تمزيق اليمن"، ويذهب البعض أبعد من هذا ليطلق عنانه للتهديد والوعيد بالتصدي لمن يحاول "تمزيق اليمن"، لكن لا أحد من كل هؤلاء لا يقول لنا ماذا يقصد بــ"تمزيق اليمن".
فلا يهم هؤلاء أن مدينة تعز مقسومة بطربال بين الحوثيين وأدعياء أنصار الشرعية، ولا إن محافظة إب يُقتَل أبناؤها دون محاكمة، ولا إن البيضا اغتصبت اغتصابا من قبل جماعة إيران ولا إن أطراف مدينة مأرب مجزأة بين الحوثيين وأنصار الحكومة الشرعية، ولا إن الجوف سقطت في برهة بيد الجماعة الحوثية بكل مساحتها الهائلة التي تقارب ربع مساحة الجمهورية العربية اليمنية (السابقة)، ولا أن أهالي حجور وعتمة الذين قاوموا الجماعة الحوثية حتى استنفدوا طاقاتهم وأسلحتهم وعتادهم ومقاتليهم، لم يجدوا شرعيا واحداً لينصرهم ويقف في خندقهم من الــ"جيش الوطني"، كل هذا لا يهم أصحاب شعار "الوحدة أو الموت" فهو لا يمثل تمزيقا لليمن، . . . فما هو إذن تمزيق اليمن؟
أيها السادة إنكم تتباهون ببيانات من لا يملك أمرا تجاه ما يعانيه اليمنيون في الشمال والجنوب، فتبتهجون بمجاملات بروتوكولية لا قيمة لها ولا وزناً على الأرض، فتحرصون على "وحدة" لا وجود لها وتحذرون من "تمزيق" أقمتم مداميكه أنتم بأفعالكم وسياساتكم، واستكملتموه يوم أخليتم الساحة لأحفاد حميد الدين وبدر الدين ووليتم الإدبار باتجاه المنافذ خفاظا على أرواحكم وأموالكم.
"وحدة اليمن" التي قتلتموها بأيديكم لن يعيد لها الحياة بيان اليونيسف أو رسالة الــ UNDP و"تمزيق اليمن" الذي تظافرتم في تنفيذه أنتم وبنو عملكم من أحفاد حميد الدين وبدر الدين، لا يستره غضبكم الزائف وتهديداتكم التي ما هزمت حوثياً واحداً ممن ينهبون الأرض وينتهكون العرض.
لقد دشنتم التمزيق في العام 1994م واستكملتموه في العام 2015م، وها أنتم حريصون على تمزيق الجنوب الذي يأبى التمزق، فكفوا عن التغني بأمجاد المعدوم الذي اعدمتموه بايديكم، والتحذير من القائم الذي صنعتموه بافعالكم، واتجهوا لرب السماوات والأرض بالاستغفار والتوبة عما فعلته أيديكم ودعوا الأجيال الجديدة تكفر عن سيئاتكم وتقرر هي مستقبلها بعيدا عن خيباتكم وأحلام الشيخوخة التي ما تزال تراود أذهانكم وذهانكم.