الهدنة شمالًا والحرب جنوباً
كل العالم المتابع للأزمة في اليمن يتحدث عن الهدنة ويطالب بالحفاظ عليها ويدعو إلى تكريسها وتحويلها إلى حالة دائمة.
حسناً، ولكن أين هي الهدنة؟ ومن الذي يتقيد بها؟ وأين المناطق التي تنفذ فيها؟ وما هي معايير التقيد بمتطلباتها والالتزام يمقتضياتها؟
لا بد من الإقرار بأن الهدنة التي يدور الحديث عنها ابتدأت في أبريل 2022م بالتزامن مع انعقاد مشاورات الرياض التي تزامنت مع استبعاد الرئيس عبد ربه منصور ونائبه علي محسن وتنصيب مجلس القيادة الرئاسي، هذه الهدنة قد انتهى مداها في أكتوبر 2022م والحالة القائمة اليوم هي حالة "اللاحرب واللاسلم"، لكن هذا ينطبق على الجبهات بين الإخوة الشماليين، حيث لم نعد نسمع عن أية مواجهات على جبهات مأرب والجوف ولا في الساحل الغربي أو تعز، وهذا أمر محمود لا يبعث إلا على الرضى.
بيد إن إن الأمر يختلف عندما يتعلق السؤال بالجبهات الجنوبية فمنذ بداية تلك الهدنة لم تعرف المناطق الحدودية بن الجنوب والشمال أي توقف للمواجهات التي تبادر الجماعة الحوثية إلى تصعيدها كلَّ ما استبشر الناس بالسكينة ليتفرغوا لمواجهة متاعب الحياة التي أنتجتها الحرب وتستثمر حكومة الشرعية في تكريسها أيما استثمار.
وهكذا فتعبير "اللاحرب واللاسلم" ينطبق على العلاقة الشمالية-الشمالية، أما بالنسبة للعلاقة شمال-جنوب فإن أدق تعبير ينطبق على الوضع هو "الهدنة شمالاً والحرب جنوباً" فالاعتداءات الحوثية على مناطق الصبيحة وكرش والمسيمير ومديريات الضالع المختلفة ومكيراس وثرة في ابين ومرخة وبيحان في شبوة، وبقية الجبهات الجنوبية مستمرة ولم تنقطع منذ بداية الحرب، بما في ذلك الفترة التي قيل أن الهدنة قد شملتها.
منذ أيامٍ واصلت القوات الحوثية اعتدائها على مناطق مديرية الحد بيافع التابعة لمحافظة لحج الجنوبية، وهي مديرية تحاذي مديريتي آل حميقان وذي ناعم بمحافظة البيضاء الشمالية، وهذا بطبيعة الحال ليس الاعتداء الأول وقد لا يكون الأخير، فالمواجهات بين الحوثيين ورجال المقاومة الجنوبية في مديرية الحد مستمرة وإن بتقطع.
إعلام القوات الجنوبية في مديريات يافع تحدث عن سبعة شهداء وتسعة جرحى في اليوم الأول للعدوان وسقوط العشرات من القتلى والجرحى من الجماعة الحوثية وما تزال المواجهات مستمرة.
ليست كثرة القتلى من الغريم مكسباً ولا انخفاض عددهم خسارةً لكن المعلوم أن الحوثيين يتكتمون على أعداد ضحاياهم بل إنهم لا يأبهون حتى لمتابعة مصائر الجرحى والأسرى وجثامين القتلى، وذلك شأنهم، لكن السؤال هو : ماذا يعني التصعيد الحوثي على الجبهات الجنوبية؟
قبل محاولة الرد على هذا السؤال المحوري علينا أن نتذكر أن هذا التصعيد يأتي بالتزامن مع حرب الخدمات وسياسات التجويع التي تمارسها حكومة معين عبد الملك ضد المواطنين الجنوبيين، منطقة حكم وتسلط وموارد وسلطة هذه الحكومة، وهنا لا يمكن الفصل بين السياستين، فالحربان تكملان بعضهما، وما لم يحققه الحوثي من محاولات تركيع الشعب الجنوبي من خلال قصف المنشآت وموانئ تصدير النفط الجنوبي يحاول معين عبد الملك وأركان حكومته التوصل إليه من خلال حرب الخدمات وسياسات التجويع.
وحينما نربط كل هذا برسالة رئيس مجلس النواب لرئيس الوزراء المنددة بقرار الحكومة بتوقيع عقد إنشاء شركة الاتصالات “NX” والتي يفترض أنها ستغطي ما يسمونه بــ"المناطق المحررة"، والمقصود محافظات الجنوب، ويطالب الحكومة بإلغاء هذه الاتفاقية، ندرك ذلك التكامل والتظافر بين جميع الأطراف الشمالية بشرعيتها وحوثييها في حربها على الجنوب والجنوبيين، فهؤلاء يتقاسمون الأدوار فيما بينهم حتى تركيع الجنوب لسياسات التبعية والإلحاق والوصاية، إما بقوة المدفعية والطائرات المسيرة، أو بمخمل حرب الخدمات وسياسة التجويع الجماعي.
فلا تحدثونا عن هدنة تتعلق بكم، لكن حدثونا عن هدنتكم مع الجنوب والجنوبيين: أين هي؟ ومتى بدأت؟ وكيف تطبقونها عملياً على الأرض وأنتم لم تضعوا معاول الهدم من أيديكم منذ العام 1994م؟
"وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعَىٰ إِلَى الْإِسْلَامِ ۚ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ".