الرحمة لروح الفقيد عبدالحبيب عبد القوي
نبأٌ صادم كالصاعقة تلقيته اليوم عبر وسائل التواصل الاجتماعي يتحدث عن وفاة واحد من أعز وأقرب الرفاق والزملاء والأصدقاء.
إنه الشخصية الوطنية والاجتماعية وصاحب الكفاءة الاقتصادية والإدارية النادرة الزميل الأستاذ عبد الحبيب عبد القوي بن صلاح مدير تعاونية رصد الاستهلاكية على مدى قرابة خمسة عقود.
في مطلع السبعينات وفي أوج النشاط المجتمعي وتنامي حركة المبادرات الجماهيرية والمتمثلة في بناء المصالح الاجتماعية التنموية الجديدة من مدارس ووحدات صحية ومراكز ثقافية وصفوف محو الأمية وشق الطرقات وتشكيل اللجان الشعبية والفلاحية التي تولت حل المنازعات بين أفراد المجتمع وفي منطقة ظلت لعقود كانت أعلى مؤسسة تعليمية فيها هي "الكُتّاب" وأرقى وسيلة نقل فيها هي "الجمل" وأفضل وسيلة لعلاج الأمراض والأوبئة هي الأعشاب والكي، كانت الآفاق تتفتح على بوابات جديدة للخروج من بوتقة الجهل والتخلف والمرض والتشظي المجتمعي.
كانت منطقة رخمة بمديرية رصد (اليوم) هي المنشأ اللذي نتحدث عنه، وكان عبدالحبيب ذلك الشاب المتحمس المندفع بوطنية عالية وبحماس منقطع النظير وبذكائه الفطري الذي اكسبته إياه الطبيعية الريفية القاسية ومتطلباتها الشحيحة، شأنه شأن عشرات الشباب من أبناء المنطقة الذين انخرطوا في العمل الجماهيري كما تنخرط النحل في خليتها المتكاملة لتحصيل الرحيق وصناعة الشهد المنتظر.
تلقى عبدالحبيب تعليمه في "كُتَّاب" المنطقة على يد المرحوم الحاج ناصر قاسم، وواصل التعليم في مدرسة هجينة على يد المرحوم المناضل هيثم قاسم عبد القوي ثم دشن حياته العملية في محل تجاري متواضع تنقل به بين وادي "وَلَخْ: الواقع على مشارف محافظة لحج ثم إلى سوق "رَخَمَة" بعد افتتاح ذلك السوق في العام 1971م.
وحينما جاءت فكرة تأسيس التعاونية الاستهلاكية في مركز "رُصُدْ" الذي غدا اليوم ثلاث مديريات هي "رصد وسرار وسباح"، جاء تكليف الفقيد عبد الحبيب لإدارة التعاونية بمعية زميله المناضل محمد شيخ الحجاشي محاسباً للتعاونية، بفعل خبراتهما السابقة وبالرهان على إخلاصهما ووطنيتهما العالية، وهي السجية التي كان الشباب يتسابقون على الفوز بأعلى قدر منها تعبيرا عن التربية الوطنية الرفيعة والأخلاق الثورية الجديدة التي غرستها الثورة بين الجيل الجديد من السياسيين.
سخَّر فقيدنا محله التجاري في رخمة كفرع للتعاونية للبيع بالتجزئة، ودشنت التعاونية عملها بمجموعة من الفروع الفقيرة التي اعتمدت على مساهمات المواطنين، من سائر أحياء المركز.
لم تكن التعاونية عند التأسيس تمتلك إلا مستودعاً من الزنج وعددا من المكاتب الخشيبية في عاصمة المركز رصد وثلاث غُرف صغيرة إيجار في سرار وقسم الشعب وسباح لكنها وخلال سنوات قليلة اصبحت تمتلك أسطولاً من سيارات النقل الثقيل وعددا من محطات بترول وأكثر من عشرة مستودعات خزن وأكثر منها محلات بيع بالتجزئة في كل مناطق رصد وسرار وسباح.
وتحت قيادة الفقيد عبد الحبيب وزملائه في الإدارة حققت التعاونية الهدف الأساسي الذي جاءت من أجله ويتمثل في إيصال المواد الغذائية والاستهلاكية والبترولية إلى كل مستهلك في المنطقة وحققت مركزاً مالياً متقدماً، صارت به تنافس أفضل التعاونيات على مستوى الجمهورية كتعاونية لبعوس وتعاونية الشط في طور الباحة
ويشهد كل الذين عاصروا عمل التعاونية منذ تأسيسها من محبي الفقيد ومن غير الراضين عنه، أن وجود عبد الحبيب على رأس التعاونية قد كان رأسمالاً إضافياً إلى رأسمالها الذي بلغ مئات ملايين الدنانير الجنوبية حينما كان الدينار يساوي ثلاثة دولارات أمريكية، بين أموال سائلة وأصولٍ ثابتة.
حافظ الفقيد عبد الحبيب ورفاقه على التعاونية وأصولها كحفاظهم على حدقات أعينهم، سواء قبل كارثة العام 1990م أو بعدها.
ومن المعروف أن كل المؤسسات التعاونية ومؤسسات القطاع العام قد تعرضت بعد حرب 1994م البغيضة للنهب والسلب والمضايقة والحصار وتعرض بعضها للاستيلاء من قبل النافذين وكانت المنافسة غير المتكافئة قد تركت أثراً سلبياً على عمل المؤسسات التعاونية على وجه الخصوص، أما مؤسسات القطاع العام فقد حولها النافذون إلى غنائم تقاسموا أصولها فيما بينهم كما هو معروف،
ومع ذلك فما تزال أهم أصول تعاونية رصد الاستهلاكية قائمة يستطيع ملاكها من المساهمين إعادة تفعيلها والانطلاق منها كأساس لأي عمل تنموي وخدمي قادم إذا ما تكاتفت الجهود وأخلصت النوايا مع القائمين على إدارة المديريات الثلاث التي تنتشر فيها أصول التعاونية.
على صعيد العمل السياسي والحزبي كان الفقيد عبد الحبيب من أوائل الشباب الذي انخرطوا في صفوف الجبهة القومية بعد الاستقلال خصوصا بعد 1969م حيث تدرج من عضو حلقة تنظيمية قم خلية عادية فخلية قيادية، وترقى إلى عضو لجنة مركز فعضو لجنة مديرية حتى أصبح عضواً قيادياً في لجنة محافظة أبين للحزب الاشتراكي اليمني حتى نهاية ثمانينات القرن الماضي، وجرى انتخابه في عضوية مجلس الشعب المحلي لمحافظة أبين خلال الفترة 1977-1980م.
وللفقيد أدوار معروفة في الكثير من الأعمال الخيرية والاجتماعية والوطنية في فض المنازعات وإصلاح ذات البين فضلا عن مساهماته المبكرة في شق الطرقات وبناء المدارس وصفوف محو الأمية ودعم الفقراء والمحتاجين أسأل الله أن يجعلها في ميزان حسناته.
وبهذا المصاب الجلل أعزي نفسي بفقدان واحد من أعز وأقرب الزملاء والرفاق والأصدقاء وأتقدم بالتعازي الحارة إلى أولاده الدكتور جمال عبدالحبيب وإخوانه نعيم وأياد ومعاضة وصالح وعلي وزيد وصلاح عبدالحبيب، وإلى أخوان الفقيد نبيل ونايف عبدالقوي وكل أفراد عائلة الفقيد عبد القوي بن صلاح وذريته وكافة أهلنا آل بن بوبكر وكلد ويافع عامة وكل أهلنا في الجنوب الحبيب
أتضرع إلى الله العلي القدير أن يرحمه ويغفر له ويتوب عليه ويسكنه الفردوس الأعلى من الجنة ويلهمنا جميعا وكل أهله وذويه وجميع رفاقه وزملائه ومحبيه الصبر والسلوان.
إنا لله وإنا إليه راجعون ٠