نحن وهم .. في ذكرى ثورة الرابع عشر من أكتوبر
للاحتفاء بذكرى ثورة الرابع عشر من أكتوبر كل عام معنيين متناقضين بيننا وبينهم ، وبالأحرى بين المحتفلين الرسميين والمحتفلين الحقيقيين بالثورة وذكراها ومعناها ومضمونها وحقائقها وإنجازاتها، وانعكاسات كل ذلك على حياة البسطاء في طول وعرض الجنوب كل الجنوب وفي حياة الجنوبيين جميعهم من أقصى الجنوب إلى أقصاه.
ثورة الرابع عشر من أوكتوبر بالنسبة للشعب الجنوبي، هي الدولة والنظام والقانون، والأمن والاستقرار، . . هي العدل الاجتماعي والمواطنة الحقيقية والمتساوية، والحق في العيش بحرية وأمان وكرامة وعزة ، . . . . ثورة 14 أكتوبر هي قرص الخبز الرخيص والماء النقي والوفرة السهلة لمتطلبات الحياة العادية لجميع الناس، . . . . هي المستشفى والعلاج والطبيب والتطبيب المجاني، . . . هي المدرسة والجامعة والقسم الداخلي الذي يوفر السكن والآثاث والغذاء مجاناً للطلاب والتلاميذ من روضة الأطفال حتى آخر عام جامعي، على مدار العام الدراسي. . . . هي المحكمة ومركز الشرطة ومكتب النيابة التي يلجأ إليها المختلفون والمتنازعون لفض نزاعاتهم وتسوية اختلافاتهم .
ثورة الرابع عشر هي النظام والقانون المنطبق على الغني قبل الفقير والكبير قبل الصغير، والوزير قبل الغفير، . . . القانون الذي يحرم الفساد والرشوة وسوء استغلال السلطة كما يحرم الوساطة والمحسوبية والتمييز الطبقي والاجتماعي بين المواطنين. . . هي الطمأنينة وعدم الخوف من المستقبل، . . .هي حق الحصول على العمل والسكن والتنقل والرعاية الاجتماعية والضمان الصحي ، ومن هنا يأتي الاحتفاء بهذه المعاني، البسيطة مصحوباً بالشعور بالزهو والفخر والاعتزاز يوم إن صارت الثورة ملموسة في كل منزل وقرية وحارة ومدرسة ومدينة وصحراء وجبل.
منبع الاعتزاز بالثورة والمفاخرة بذكراها ينطلق من هذه المعاني السامية.
فبماذا يحتفلون هم بعد أن أفقدوا الثورة من كل هذه المعاني ودمروا كل منجزاتها ومكاسبها؟
إن الثورة بالنسبة لهم هي بهرجة وبعض مظاهر الزينة الزائفة وأناشيد ومهرجانات، وتبادل برقيات التهاني ما بين الذين قضوا على الثورة وأطاحوا بكل ما له صلة بها وأفرغوها من كل مضامينها واغتصبوا السلطة وجاءوا ليقولوا لنا "نحن الشعب ونحن الثورة وأنتم لا مكان لكم عندنا".
نعم لقد اغتصبوا كل شيء في هذه الأرض وحولوه إلى ذكرى مفرغة من أي مضمون، وإلى طوطم أسطوري غير مرئي، يتكرس في مفهوم متعالي لا معنى له، مفهوم معلق في الهواء لا صلة له بالناس ولا علاقة للناس به.
إنهم يحتفلون باللاشيء، يحتفلون بالفراغ، وبالخواء الأجوف، . . . لا بل إنهم يحتفلون بالخراب الذي ألحقوه بالثورة ومنجزاتها، ويتباهون أنهم قد نجحوا في الاستيلاء على هذه الذكرى وسرقتها من أصحابها.
إن الثورة بالنسبة لهم هي مجموعة الأراضي والاموال والثروات والعقارات والأماكن والمنشآت العامة والخاصة التي نهبوها من أصحابها الجنوبيين وحولوها إلى أرصدة مالية وشركات وأصول عقارية وأسهم وبنوك ومؤسسات استثمارية مما نهبوه من أرض الجنوب وحقوق ثروات الجنوبيين مما يحصدون المليارات من أرباحها وعائداتها، وتلك هي ثورتهم التي يحتفلون بها.
ومن أبشع ما في المشهد أن يبعث القادة (الذين ساهموا في تدمير الثورة) ومعهم الوزراء والمدراء والنواب والوكلاء، ببرقيات التهاني، إلى زعيمهم القادم من معسكر الذين قضوا على الثورة وأزاحوها من مسار التاريخ، وحولوها إلى مجرد ساعتين من الخطاب والصخب الخالي من كل مضمون، أو هكذا خُيِّلَ لهم.
وشتان بين احتفالنا واحتفالهم.
ستبقى الثورة الاكتوبرية خالدة في ذاكرة الأجيال، وستظل رايتها خفاقة في سماء عدن وأبين ولحج والضالع وحضرموت وشبوة وسقطرى والمهرة، وفي كل قمة ووادي وسهل وجبل وشاطئ على أرض الجنوب.
وسيتوارى لصوص التاريخ وناهبو الفرح وسارقو البهجة من عيون المواطنين .
وغداً سيقول التاريخ كلمته
وإن يكُ صدر هذا اليوم ولَّى فإن غدا لناظرهِ قريبُ