أين الائتلاف الوطني السوري؟!
طوال اثنتي عشرة سنة، كان الائتلاف الوطني السوري يُمثّل الشرعية السياسية للمعارضة السورية المعترف بها من قِبل الدول والمنظمات التي قطعت علاقتها بنظام الأسد. ضمّ الائتلاف في صفوفه الأحزاب التقليدية إلى جانب مكونات أخرى نشأت في ظل الثورة، وكانت له حكومة في المنفى، وهيئة تفاوض تتعامل معها الأمم المتحدة، وكان يتبعه الجيش الوطني الحر وفصائل مسلحة، إضافة إلى تلقيه دعماً مباشراً من حلفاء إقليميين ودوليين على رأسهم الجارة الكبرى: تركيا.
كان المتوقع أن يلعب هذا الكيان دوراً محورياً في رسم مستقبل سوريا، سواء عبر التسوية مع نظام الأسد أو في إدارة البلاد بعد سقوطه، لكن الأحداث سارت في اتجاه مغاير؛ إذ برزت قوة جديدة قادمة من إدلب، بقيادة هيئة تحرير الشام، تمكنت من إسقاط نظام الأسد، وفرضت أمراً واقعاً في دمشق، ونصّبت قائدها أحمد الشرع رئيساً للبلاد، وصارت وفود العالم تقصدها وتعترف بها كشرعية جديدة للدولة السورية.
هنا يبرز السؤال: لماذا اختفى الائتلاف السوري وحكومته من المشهد؟.
بحسب قراءتي لتحليلات المتابعين للشأن السوري، هناك ثلاثة أسباب جعلت الائتلاف يفقد شرعيته، ويتخلى عنه الحلفاء:
1. كثرة الانقسامات والتنازع بين مكوناته.
2. استشراء الفساد في مؤسساته.
3. الاتكال الكامل على دعم الخارج، وكأنه ينتظر أن تركيا ستخوض معركة دمشق نيابة عنه!
تركيا التي تستضيف حكومة الائتلاف في أراضيها، أدركت هذه العوامل مبكراً، فقررت -بحسابات السياسة- الاكتفاء بعلاقة محدودة معه كأداة وظيفية في منطقة الحدود مع الأكراد، واتجهت بدلا عنه نحو أحد خيارين: إما التسوية مع نظام الأسد، أو دعم هيئة تحرير الشام في إدلب. وبالفعل، وقع الاختيار على الخيار الثاني.
التحول الدولي المفاجئ نحو هيئة تحرير الشام، رغم أنها كانت مصنفة في القوائم الدولية للإرهاب، شكّل صدمة مدوية لقيادات الائتلاف، تذكرنا بالصدمة التي تعرضت لها حكومة أشرف غني الأفغانية عندما تخلى عنها الحليف الأمريكي لصالح التفاوض مع حركة طالبان.
إنها حسابات السياسة، وتجارب واقعية جديرة بالتأمل وأخذ الدروس والعبر منها.