احمد.اليافعي هاملت عدن

منبر عدن- عدن- بديع سلطان

اختتمت في عدن عروض مسرحية ”هاملت” رائعة الروائي الإنجليزي ”ويليام شكسبير”، التي عرضت لأول مرة في التاريخ بلهجة عدنية.

ومقابل هذا الختام، ثمةَ نجمٌ بدأ باللمعان في عالم الفن والمسرح من ثنايا هذا العرض المسرحي الفريد، ليس في عدن فقط، بل على مستوى اليمن عمومًا، نجمٌ يشق طريقه نحو العَظَمة، نعم العَظَمة، أقولها بكل ثقة دونما أي مبالغة.

لم يكن عرض ”هاملت” العدني هو أول عهد هذا النجم بالإبداع والتمكن في فنون المسرح بشكل عام، ولكن أجزم أن هذه المسرحية مثلت لنجمنا الذي نتحدث عنه بدايةً وانطلاقةً وعلامةً فارقة، ما بعدها لن يكون كما قبلها.

لن أطيل عليكم، وسأكشف عن نجم ”هاملت” الذي أتحدث عنه، الذي ملئ الدنيا ضجيجًا بإبداعه وشغلها بموهبته على خشبة المجلس التشريعي بعدن، إنه المخرج الفنان والإعلامي الشاب أحمد علي يافعي.

قد لا أكون أول من تحدث عن الإعجاز الذي اجترحه أحمد في المسرحية وتجسيده لدور البطولة ”الأمير هاملت”، لكن أتمنى أن يكون حديثي عنه مختلفًا ويعطيه حقه، بقدر ما أبهرنا وهو يتنقل بين نفسيات الأمير ”هاملت” المتباينة حد التناقض.

كثيرون عرفوا مسرحيات شكسبير الكلاسيكية بتراجيدتها ”القاتلة”، سواءً على مستوى النص الأدبي أو تقنية ممارستها الفنية والتمثيلية عبر شخوصها التي يجسدها الممثلون على خشبة المسرح، ولعل شخصية ”هاملت” كما كتبها ويليام من هذا النوع التراجيدي القاتل.

واذا كان يحسب للمخرج الجهبذ عمرو جمال، والمؤلف عمرو الإرياني الذي ترجم النص العدني، قيامهما بإضفاء ”نكهة كوميدية” على شخصية ”هاملت” وعلى المسرحية برمتها، على العكس تمامًا من النص الشكسبيري الأصلي، إلا أن ”تقينة الأداء” التي تميز بها أحمد يافعي ألغت من أذهان كل من خبروا مسرحية ”هاملت” تفاصيلها التراجيدية وصفتها ”البكائية البحتة”، وكأنهم يشاهدون تجسيدًا لنص مغاير تمامًا، وإن حمل نفس الاسم.

استطاع أحمد يافعي أن يتنقل بين النفسية المتباينة لـ”هاملت” برشاقة وانسيابية، تمامًا كما كان يتنقل بين مربعات خشبة المسرح بجنون الشخصية، وجنون الإبداع الذي وصل إلى العبقرية الفنية، وتجاوز ”الشعرة” الفاصلة بينهما، عبقرية لا تنقص أحمد أبدًا.

فكان يتحول من التراجيدي الحزين على وفاة أبيه الملك، إلى لكوميدي المجنون الذي ادعى الجنون ليكشف مؤامرة قتل والده، وصولًا بصراحة المحب العاشق الولهان بمحبوته، مرورًا بالحاذق الذكي المُخطِط لمسرحية كشف مؤامرة عمه الملك المستولي على قلب أمه وعرش أبيه، وليس انتهاءً بـ ”شرور” رغبة الانتقام التي تملكّها وسيطرة على هواجسه.

وأزعم أن كل تلك المشاعر والإيحاءات من الصعوبة بمكان أن تتجسد في قدرات ممثل واحد، إلا إذا كان يقدمها بتفاوت وبنسبة متباينة، غير أن ما قدمه أحمد يافعي ”هاملت عدن” نجح في تقديمها جميعها جملةً واحدة بتوازن وتناسق، لم تطغى أيٌ منها على الباقيات، ولم يشعر الجمهور -بمن فيهم أنا- أنها ليست من مشاعر الأمير ”هاملت”.

وهنا تكن صعوبة شخصية ”هاملت” المتناقضة، والتي لم يخرجها نص شكسبير عن تراجيديتها وبكائيتها المأساوية، غير أن النص العدني ولمسات عمرو جمال، وقدرات أحمد يافعي الفنية والتمثيلية تنقلت بين نفسيات متناينة في إطار واحدية الشخصية.

نجح العمرين، عمرو جمال وعمرو الإرياني، نجاحًا ساحقًا في منح رواية كلاسيكية كهذه صبغة عدنية وفكاهية ربما مراعاةً لظروف أهالي المدينة ونفسياتهم المحتاجة للابتسامة، لكنهم نجحوا أيضًا في منح فرصة تجسيد هذه الغاية لممثل وفنان مقتدر كأحمد علي يافعي.

مهما قلت أو كتبت فلن أوفي حق ما قدمه هذا العاشق للمسرح، وهو المولود في محراب ”أبي الفنون”، كيف لا وهو من عائلة مسرحية ونجلٌ نجيبٌ لعميد المسرح العدني واليمني الأستاذ علي يافعي، كما أن أحمد هو الآخر ممثل ومخرج مسرحي مبدع وأنيق، وهو الإعلامي المتمكن.

وليس فيما قلته أي مبالغة، رغم أني لست ناقدًا فنيًا أو مسرحيًا، ولكنها انطباعات عفوية وتلقائية راودتني منذ الوهلة الأولى لمشاهدتي العرض الرابع من عروض مسرحية ”هاملت” على خشبة مسرح المجلس التشريعي بعدن، وأعتقد أنها انطباعات يشاركني فيها كثير من المنصفين والواقعيين وأصحاب النظرة الفنية الخبيرة.

لم أتحدث عن إبداعات العالمي عمرو جمال، مخرج عدن الأول، لأني لن أضيف شيئًا في حق هذا العملاق العدني، وأحد معالم عدن الفنية، ولكن ما كتبته في حق أحمد يافعي الزميل والصديق اللدود كان التزامًا ذاتيًا تجاه موهبة تستوجب منا كإعلاميين الوقوف إلى جانبها، وأتمنى يومًا ما أن تصل هذه الموهبة إلى تحقيق غاياتها اللا محدودة، وبحسب معرفتي بالعزيز أحمد فإن طموحه لا سقف له.