لماذا القرى اليافعية القديمة متقاربة ومتضامة؟!

منبر عدن - خاص

كتب/ د. علي صالح الخلاقي

هذا السؤال يراود الكثير من زوار يافع ويتبادر إلى أذهانهم عند تجوالهم في القرى القديمة التي تتقارب بيوتها بشكل ملفت بحيث تبدو وكأنها كتل معمارية متراصة ومتلاصقة بجانب بعضها البعض، على عكس العمارة الحديثة التي تتباعد عن بعضها وتحاط بأسوار خاصة. 
وللإجابة عن هذا السؤال أقول: إن أسباب ذلك فرضتها مقتضيات الأمن والأمان بدرجة رئيسية والتعاون ونجدة بعضهم البعض وقت الخطر أو عند الحاجة أو تبادل المنافع بشكل سريع، ولهذا السبب تتميز القرى والحصون اليافعية القديمة بنظامها الدفاعي شديد الدقة،  لأن طبيعة الحياة وقساوتها في الماضي، وأخطار الغزوات الخارجية والحروب والفتـن وأخطار الوحوش المفترسة التي كانت متواجدة في الشعاب والخلوات وكذا السيول الجارفة، جعلتهم حذرين دائماً وحريصين على بناء بيوتهم الحصينة متقاربة وفي أماكن مرتفعة، ومن كان بيته في الأعلى كان يشعر بأمان أفضل، وكانت معظم القرى تُشيَّد على نُشوز عالية أو على قمة أو أكمة (لَكَمة) أو قُلَّة جبل مرتفعة معزولة يصعب الوصول إليها وهذه الحماية الطبيعية تُعزَّز ببناء أسوار وحصون لحمايتها من أية مخاطر خارجية مباغتة.
ويمكن القول أن القرى القديمة كانت أشبه بحصون وقلاع عسكرية منيعة فيها جميع الاستحكامات الدفاعية، بما في ذلك وجود فتحات أو مَزَاغل خاصة لرمي الرماح أو توجيه البنادق منها، تُعرف بـ"العُكَر"، بما في ذلك مزاغل أفقية لصب السوائل المحرقة او الزيوت الحارقة على من يحاولون تحطيم باب البيت أو محاولة اقتحامه. 
وكانت الأسوار أو كما تُسمى محليا "الدَّرب-وجمعها دِرُوب" من أهم التحصينات الدفاعية تحوطاً من التعرض لهجوم مباغت، ولهذا  كانت الحصون أو القرى تُحاط بسور طبيعي يُستكمل في بعض جوانبه بالبناء، وكانت لبعضها بوابات تتحكم بالدخول إليها أو الخروج منها، بل أن لبعضها بناء مسقوف يسمى (سّقيفة) تمتد  تحت بيت أو أكثر ولها بوابتان، داخلية وخارجية، يعلو كل منها عقد حجري يسمح بدخول الأحمال على ظهور الحيوانات كالإبل والحمير. وكانت تتواجد فيها صهاريج المياه ومدافن الحبوب وكل مستلزمات الحياة. ونادرا ما ينفرد البعض في الماضي في البناء بعيداً عن القرى خوفاً من عواقب الحروب الثأرية التي شملت القبيلة والأخرى والقرية وجارتها. 
كانت المناعة الدفاعية هي الاهتمام الأساسي، لهذا السبب كان يتم بناء بعض المدن والقرى في مواقع لم يكن الوصول إليها ممكنا إلاَّ عبر طرق شديدة الانحدار (بعضها ما زال قائما حتى اليوم) وتم تبليطها بالحجارة المرصوصة في الحيود أو الجبال على ارتفاع عدة مئات من الأمتار. وتوجد براعة جديرة بالاعتبار في تخطيط مواقع البناء ومهارة في تكييف مختلف المواقع بصورة خاصة. وذلك ما زال ملاحظاً في البناء الحديث إلى حد كبير نتيجة الرغبة لزيادة الخصوصية والخلوة واحترام تقليدي لعُرف اجتماعي  يمنع التعدي على المنازل المجاورة، فضلا عن ذلك فإن البيت الذي يشرف على مناظر فريدة فوق المرتفعات الجبلية والمنحدرات الخطرة يحظى دائماً بمقام ومنزلة رفيعتين.. 
وإجمالاً  كان الناس في الماضي يفضلون الأماكن المرتفعة، على سفوح وقمم المرتفعات الجبلية لدواعي ومتطلبات الأمان، وهو ما تؤكده القرى والحصون القديمة المشيدة في شناخيب الجبال وشماريخها العالية التي أهمل الكثير منها خلال العقود الأخيرة وانتقال الناس إلى الأماكن المنخفضة وعلى ضفاف الأودية لتوفر شروط الأمان والقرب من طرق المواصلات.