في ذكرى صورة ... تذكرت صديقي الذي قال لي ضميري اكتب عنه

عدن - منبر عدن - تزيد الكلدي

في الساعة العاشرة ليلاً بتوقيت غرينتش، ووسط كوخٍ إنجليزي صغير تغمره برودة المطر وسط انجلترا، كنت أتصفح بعض الصور القديمة على حاسوبي المحمول في ليلةٍ من ليالي الثلاثاء، الموافق 11 نوفمبر 2025. وبينما أنا أتأمل تلك اللقطات التي تحمل بين طياتها عبق الماضي وذكرياته، توقفت أمام صورةٍ جمعتني بشخصٍ عزيزٍ على قلبي، صورةٌ عادت بي إلى أيامٍ لا تُنسى في القاهرة عام 2022، تلك الفترة التي كنت فيها أتلقى العلاج الطبي لذراعي الأيمن.

في تلك الأيام، التقيت برجلٍ لم أكن أعرفه من قبل، لكنه كان يعرفني – ككثير من الناس الذين عرفوني من خلف الشاشة، تقديرًا لمواقف وطنية سابقة – وكان بيننا من الاحترام ما فتح أبواب الصداقة والوفاء.
لم يكن مجرد لقاء عابر، بل بداية معرفةٍ بشخصٍ قلّ أن يجود الزمان بمثله.

ذلك الرجل هو الشيخ أحمد حسين البكري (أبو صالح)، من بني بكر – يافع، من تلك القلعة الحصينة التي تنجب الرجال ذوي المروءة والعزة والكرم، من الإرث البشري الأصيل الذي لا يزول مهما تغيّر الزمان.

عرفت في أبي صالح رجلاً رزين الحديث، متحفظ القول، كريم الخُلق، لا يعرف الشماتة ولا يصدر منه إلا الكلمة الطيبة. كان في تلك الفترة يصارع الحياة في رحلة علاجٍ لابنه ذي العشرة أعوام – شفاه الله – ومع ذلك لم تغب عن وجهه الابتسامة، ولم يتزحزح عن طبعه الكريم ونخوته المعهودة.

خلال أشهر قليلة، تعرّفت على ركيزة بشرية نادرة، على رجلٍ يجمع بين الحِكمة والكرم، بين التواضع والهيبة.
من يجالسه يلمس فيه أصالة العربي الصادق، ومن يعرفه لا يملك إلا أن يحترمه ويجله.
رأيته سبّاقًا للخير، حاضرًا في المواقف، صادقًا في الود، وفيًّا بالعهد.

جلسنا معًا، وتناولنا الخبز والزاد من سفرةٍ واحدة، وحين يجتمع العيش والملح بين العرب، فذلك رباطٌ لا يُمحى من الذاكرة.
ومن يومها ظللت وفيًّا لتلك الصحبة الصادقة التي جمعتني به، كما ظل هو مثالًا للرجولة التي لا تزول.

أبو صالح ليس مجرد صديق، بل رسالة عفوية للناس النُبلاء.
إنسانٌ طموحه بحجم وطنٍ فقده، وقضيته التي يحملها هي الجنوب الذي ناضل من أجله بصدق وإخلاص.
شخصية اجتماعية مشرفة، تحضر في الذاكرة كلما بحثت عن نموذجٍ نقيٍّ نادرٍ في زمنٍ كثر فيه الادعاء وغاب فيه الصدق.

ورغم فراقنا لسنوات بعد تلك المرحلة، إلا أن التواصل بيننا لم ينقطع يومًا. فما زال بيننا ذاك الودّ الصادق الذي لا تؤثر فيه المسافات ولا يغلبه النسيان.

واتذكر عندمّا عزمت ذات يوم على السفر إلى المملكة العربية السعودية لأداء العمرة، وبعد أن أتممت المناسك توجهت إلى مدينة جدة للإقامة أيامًا معدودة قبل المغادرة،
ولكوني اعلم ان ابو صالح في يافع ومن خلال التواصل المعتاد إذا بالأخ العزيز أبو صالح يسألني:

> "أين أنت يا صديقي؟"
أجبته: "في جدة."
فتفاجأ، وقال لي بحزمٍ ممزوجٍ بالمحبة:
"أنت ضيفنا... وسيأتيك شقيقي الآن."

 

ورغم محاولتي الاعتذار، أصرّ وأقسم ألا أرفض دعوته.
وهكذا وجدت نفسي في ضيافةٍ كريمةٍ لأيامٍ عدّة، بين اخوته الكرام، حيث لقيت من حسن الاستقبال ما يليق بأهل بني بكر الكرام.
وقد أدركت حينها أن الكرم عند أبي صالح ليس مظهرًا ولا تكلفًا، بل فطرةٌ تجري في دمه وإرثٌ يسكن وجدانه.

لم يكن ما رأيته مجرد ضيافةٍ مادية، بل درسًا في المروءة والرجولة، في كيف يكون الإنسان عظيمًا بأخلاقه قبل ماله، وكيف تكون الشهامة عملًا صادقًا لا يُنتظر منه مقابل.

شكرًا للأخ أحمد حسين البكري "أبو صالح"،
وشكرًا لأخوته الطيبين وأسرته الكريمة التي ورثت من الجدود أصالة الخُلق وشرف المعشر.
لم يسبق لي شكرهم سابقاً من خلال مكتوب على الصحف والمواقع لان ليس كل شي ضرورياً نشره وتعميمه وهم كذلك لا يريدون .
ولكنني اليوم وبعد سنوات اشكرهم واجدد الشكر لهم ولنا لقاء فيهم بإذن الله.

لقد علمتني معرفته أن القيمة الحقيقية للإنسان ليست بما يملك، بل بما يُكنّه من خيرٍ ونبلٍ في قلبه، وأن الرجولة ليست صوتًا عاليًا ولا مظهرًا مُتكلفًا، بل موقفٌ صادقٌ في لحظةٍ لا تُنسى.

هكذا سيبقى أبو صالح في ذاكرتي:
رجلٌ من طرازٍ نادر، نقيّ السريرة، عظيم المروءة، كريم الطبع، وصادق الوفاء وهو ذاك الإنسان الجوهر بمعناه ... هو ليس قائداً أو زعيماً أو تاجراً أو مالك شركةً أو ملياردير ... لا ليس له بهذه اي شيء ولكنه ذاك ابو صالح الذي يمتلك المروة والطيبة والابتسامة والمحبة ، لقد كتبت هذا المكتوب نابع من القلب اجبرني ضميري واُملي عليا أن اكتب في هذا الإنسان العادي البسيط بنظر من يقرأ ولكنه كبير بنظري  .