مراقبون سيطرة القوات الجنوبية على كامل حدود ما قبل 1990 تمثل نقطة تحوّل في مسار القضية الجنوبية
يرى مراقبون ومحللون سياسيون أن التحركات العسكرية الأخيرة للقوات المسلحة الجنوبية، التي انتهت خلال الأيام الماضية بالسيطرة الكاملة على وادي حضرموت والتقدم باتجاه محافظة المهرة، تمثل أهم تحول استراتيجي يشهده الجنوب منذ أكثر من ثلاثة عقود، وتعيد رسم المشهد العسكري والسياسي على كامل الرقعة الجغرافية للجنوب بحدوده ما قبل وحدة عام 1990.
ويشير هؤلاء إلى أن إحكام السيطرة على وادي حضرموت بعد معارك خاطفة ضد قوات المنطقة العسكرية الأولى، ثم التوسع اليوم نحو المهرة، يعني عمليًا أن القوات الجنوبية باتت تنتشر في جميع مفاصل الجنوب من المهرة شرقًا إلى باب المندب غربًا، وسط حالة ترحيب شعبي واسع ومؤشرات متزايدة على عودة الأمن والاستقرار إلى المناطق التي عانت طويلاً من الانفلات الأمني والعمليات الإرهابية.
وبحسب محللين عسكريين، فإن هذا التمدد لا يقتصر على الانتشار الجغرافي فحسب، بل يشمل فرض السيطرة على المعسكرات والمطارات والموانئ والمنافذ الحدودية، إلى جانب ضبط النقاط الأمنية وإعادة هيكلة المؤسسات الحكومية في المحافظات المحررة. ويرى الخبراء أن هذه المعطيات تؤسس لمرحلة جديدة من بسط النفوذ والسيطرة الإدارية، بما يمنح الجنوب قدرة أكبر على التحكم بموارده ومساره السياسي.
ويؤكد محللون سياسيون أن هذا التحول يحمل دلالات عميقة على مستقبل القضية الجنوبية، إذ يمثّل لأول مرة منذ ثلاثين عامًا عودة الجنوب ككيان موحّد على الأرض تحت قيادة عسكرية واحدة. ويشير هؤلاء إلى أن الواقع الميداني الجديد يعزز بشكل غير مسبوق قوة الموقف التفاوضي للجنوب في أي مشاورات سياسية قادمة، ويجعل حضور ممثليه في ملفات الحل النهائي أكثر تأثيرًا استنادًا إلى السيطرة الكاملة على الأرض.
كما يذهب خبراء أمنيون إلى أن بسط القوات الجنوبية نفوذها على وادي حضرموت والصحراء والمنافذ الشرقية يضيق الخناق على الجماعات الإرهابية التي وجدت سابقًا بيئة مناسبة للتحرك في ظل سيطرة القوى المرتبطة بالإخوان. ويؤكدون أن استعادة هذه المناطق يشكل خطوة أساسية نحو تحصين الجبهة الداخلية للجنوب استعدادًا لمواجهة التهديدات التي تمثلها مليشيا الحوثي في الشمال.
ويرى مراقبون أن السيطرة الكاملة للقوات الجنوبية تغلق أيضًا بؤر التوتر والمشاريع التي حاولت خلال السنوات الماضية إثارة الفتن والانقسامات، لافتين إلى أن المرحلة المقبلة مرشحة بأن تكون الأكثر استقرارًا منذ عقود، إذا ما استمرت جهود تثبيت الأمن وإعادة ترتيب المؤسسات الخدمية والأمنية في المحافظات الجنوبية.
وبذلك، يضع الجنوب قدميه على أعتاب مرحلة جديدة، تتكامل فيها السيطرة العسكرية مع الإرادة السياسية والشعبية، في مشهد يرى فيه المراقبون أنه يمهد لواقع مختلف تمامًا عن العقود الماضية، ويقرب القضية الجنوبية من محطة حاسمة في تاريخها الحديث.

