انطباعات عن دوري شهداء الجنوب الذي احتضنته (بفلو) الأمريكية

منبر عدن - متابعات

أتيحت لي فرصة حضور العرس الرياضي الكبير الذي شهدته مدينة (بفلو) في ولاية نيويورك الأمريكية، على مدى يومي 18-19 يونيو الجاري، وشاركت فيه ثمان فرق رياضية في كرة القدم تمثل الجاليات الجنوبية في ثمان ولايات أمريكية.

جرت فعاليات الدوري بشكل مكثف تحت اسم (دوري شهداء الجنوب)،  وكان عرساً رياضياً بهيجاً جسد في معانيه روح الإخلاص والوفاء لدماء الشهداء الذين قدموا دماءهم الزكية في سبيل انتصار قضية شعبنا الجنوبي، وجسد أيضا التلاحم الأخوي بين أبناء الجنوب في هذه البلاد التي احتضنتهم ووفرت لهم فرص العمل والإقامة والحياة الكريمة التي يتمنى المر منا أن يجدها في بلده حتى لا يضطر للبحث عن بلد بديل، وعبَّر أيضاً عن الارتباط الحميمي لأبناء الجالية بالوطن الأم الذين يحملونه في قلوبهم في حلهم وترحالهم، ورغم بعدهم عنه إلا أنه يسكن نياط قلوبهم وفي حدقات أعينهم.. وقد ارتفعت عاليا أثناء الدوري أعلام الجنوب إلى جانب العلم الأمريكي، وبالمثل أفتتح العرس الرياضي بالسلامين الوطنيين الجنوبي والأمريكي، وتقلد البعض أعلام الجنوب على صدورهم أو حول أعناقهم.

وحقق الدوري الرياضي نتائج رائعة في إبراز المواهب الرياضية وتطوير مهاراتها وتبادل الخبرات وتعزيز الروابط والعلاقات الأخوية بين الرياضيين والمدربين والداعمين حيث كان الدوري فرصة للقائهم وتعميق روح التآلف والتعارف فيما بينهم أولاً، ثم بينهم وبين وطنهم الحاضر أبداً في قلوبهم وفي أفئدتهم وفي كل فعاليات الدوري الذي حمل اسم "دوري شهداء الجنوب".

ومن موقع المتابع المحب أود طرح بعض الملاحظات التي أتمنى الأخذ بها خلال الأعوام القادمة، وتتلخص في الآتي:

1- أرى أن يتم الغاء البند الخاص باستعارة اللاعبين من غير أبناء الجالية الجنوبية كما هو معمول الآن باستعارة عدد محدد من اللاعبين العرب، لسبب بسيط، يتمثل في أهمية الاعتماد كليةً على لاعبينا ودعمهم وتشجيعهم لخوض مثل هذه المباراة بقدراتهم الذاتية وإبراز مهاراتهم الخاصة دون الحاجة للاعبين من خارج الجاليات الجنوبية، لأن في ذلك تحطيم لمواهب شبابنا اللاعبين والطموحين ممن يسعون لإبراز مهاراتهم وأن تتصدر أسماؤهم قوائم أفضل اللاعبين في الدوري، من دون أن ينافسهم أحد أو أن ينتزع منهم هذا الشرف لاعبون من خارج الجالية، وبالطبع فأن أعضاء الفريق الرياضية لا يريدون في قرارة أنفسهم  أي منهم أن يخطف الأضواء لاعبٌ من خارجهم، ثم أن الفوز والخسارة نسبي، فلسنا بصدد المشاركة والتأهل لمباريات دولية، وإنما في مباريات أخوية، الكل فيها كاسب ومستفيد من المشاركة بغض النظر عن النتائج النهائية، ومثل هذا المقترح إذا ما تم الأخذ به سيمنح لاعبينا ثقة أكبر بقدراتهم ومهاراتهم والاعتماد على أنفسهم ، ولا تحتاج فرق الجاليات للاستقواء بلاعبين خارجيين يتم استجلابهم بمبالغ مالية يكون انعكاسها سلبياً على اللاعبين الأصليين ومن الأولى والأفضل تسخيرها لدعم شبابنا.

2-  قد يتحجج البعض بأن بعض الجاليات لا تمتلك فريقاً متكاملا، وهذا يمكن التغلب عليه بإعداد شباب الجالية منذ وقت مبكر  لتغطية هذا النقص، وعند الضرورة يتم السماح للاستعانة بلاعبين يتم الاتفاق على عددهم من أبناء الجاليات الجنوبية فقط في بقية الولايات وليس من خارج الجاليات.

3- الجانب التنظيمي والفني يحتاج للتقييم والاستفادة من بعض النواقص التي رافقت دوري شهداء الجنوب، فمثلاً افتقر حفل الافتتاح لمنصة يقف فيها الضيوف الرئيسيين، ولهذا وقفت صفوف اللاعب وقت الافتتاح باتجاه مغاير لموقع الميكرفون وألقى رئيس الجالية الجنوبية في مدينة بفلو ورُشستر المستضيفة للدوري الأخ جمال الخلاقي كلمته وحيداً من الجهة الخلفية، وظهر أشبه بمن يؤم المصلين من خلفهم، والمفروض أن تكون المنصة الرئيسية أمام الصفوف، وهو ما تم تلافيه عند حفل الاختتام بعد الأخذ بملاحظتنا التي نقلناها للمنظمين مباشرة، وكان حفل الاختتام أكثر تنظيماً.

4- الجانب الإعلامي لم يتم الإعداد له مسبقاً، واقتصر على جهود فردية من قبل البعض أظهرت نشاطات الدوري في مواقع الجاليات، واعتقد أنه يجب الاستعانة بمصورين محترفين لتسجيل سير المباريات، وكذا إعداد نشرة خاصة مدعمه بالصور تجْمِل كل فعاليات ونتائج الدوري وأبرز المشاركين فيه، مع أسماء لاعبي جميع الفرق ومدربيهم وداعميهم، وتُنشر ورقياَ والكترونياً لتوثيق هذه اللقاءات الرياضية كل عام. 

وبغض النظر عن هذه الملاحظات العابرة فإن النتائج كانت مشرفة، واللقاء بحد ذاته كان ناجحاً بكل المقاييس وثمرة لجهود الجميع، والشكر لكل من أسهم في إنجاح هذه المسابقة في هذا الدوري الرياضي سواء من المدربين أو من اللاعبين أو من رجال الأعمال الذين دعموا نجاح هذا اللقاء ، واعتقد أن التواصل بين أبناء الجنوب ينبغي أن يستمر ليس فقط في المجال الرياضي ولكن في كل المجالات، فنحن أحوج ما نكون في هذا الظرف الهام لتعزيز هويتنا الجنوبية وتعريف أبناءنا الذين ولدوا بالمهجر بانتمائهم إلى وطن اسمه الجنوب العربي، الذي ربما الكثير منهم لا يفقه شيئاً عن هذه الهوية وهذه مهمة الآباء من الأجيال القديمة التي عاصرت المراحل السابقة منذ الاستقلال وحتى اليوم، وهذه مهمة ينبغي أن تستمر وأن تتواصل وأن تمثل هذه الفعاليات جزءاً من التعريف بهذه الهوية، فعندما نقول دوري أبناء الجنوب سيسأل الشاب الصغير أو الطفل الناشئ ما هو هذا الجنوب؟.. يجب أن نعطي لهم تفاصيل عن تاريخ الجنوب وعن هويته وعن دولته التي كانت حتى العام 1990م وقدمناها هدية وقرباناً على مذبح الوحدة التي كنا نطمح أن تكون وحدة عربية شاملة ونواة لمثل هذه الوحدة التي تشبعنا بأفكارها ولكننا أصبنا بغدر الشركاء وانحرافهم عن مسار الوحدة بمعناها النبيل وأصبحت وحدة غدر وكيد وفيد واحتلال واستعمار حتى باعتراف رموز احتلال الجنوب في صيف 1994م.

ختاماً.. ولأنني كنت بمعية فريق الجالية الجنوبية في شيكاغو فأنني أتقدم بالشكر الجزيل لرجل الأعمال الفاضل أحمد عبدالله الوالي الذي تحمل على نفقته تكاليف رحلة الفريق والمشجعين وأنزل الجميع في فندق راقٍ خلال مكوث الفريق في بفلو، وهذا يضاف إلى بصماته الكثيرة في الأعمال الخيرية ودعم نشاط الجالية التي تعد من بين أكبر الجاليات من حيث عدد أفرادها.

وفي الختام كلمة شكر وتقدير للجالية الجنوبية في بفلو وروشستر على حفاوة الاستقبال وكرم الضيافة الذي شمل بسخاء كل الفرق الرياضية والمشجعين المرافقين.. ولا ننسى أن نعبر عن إعجابنا وسرورنا لما لمسناه من تكاتف وتعاون بين أعضاء وقيادة الجالية الجنوبية في بلفو- روتشستر.. فلهم جميعاً تُرفع القبعات..

 

د. علي صالح الخلاقي

شيكاغو

29يونيو2022م