أهداف اقتصادية وأمنية لسيطرة الحوثيين على قطاع الاتصالات
يُراهن الحوثيون الموالون لإيران على قطاع الاتصالات من أجل تحقيق مجموعة من الأهداف التي من شأنها أن تمنحهم مزيدا من النفوذ في اليمن، حيث يسعى هؤلاء من خلال إحكام السيطرة على القطاع المذكور لتحقيق غايات اقتصادية وسياسية وإعلامية وأمنية واستخباراتية.
منذ الأيام الأولى للانقلاب في سبتمبر 2014 وضع الحوثيون أيديهم على وزارة الاتصالات اليمنية والمؤسسات المختلفة التابعة لها، قبل أن يسيطروا في وقت لاحق على كافة شركات الاتصالات الخاصة والبث الفضائي واستوديوهات الإنتاج الإعلامي التابعة للقطاع الخاص وكذلك الإذاعات المحلية في صنعاء وعدد من المدن الرئيسية.
وراهن الحوثيون منذ الوهلة الأولى لسيطرتهم على مؤسسات الدولة اليمنية على استخدام الفضاء الإلكتروني كسلاح في مواجهتهم مع الشرعية اليمنية والتحالف العربي التي دخلت عامها السابع، وتوظيف هذا السلاح في تزييف الوعي الجمعي في مناطق سيطرتهم وترسيخ العديد من المفاهيم العقائدية والمذهبية والسياسية وحشد المقاتلين من أبناء القبائل.
ويرى العديد من الخبراء والباحثين أن حرص الجماعة الحوثية على الاستحواذ على قطاع الاتصالات في اليمن يهدف إلى تحقيق أهداف متعددة الجوانب؛ اقتصادية وسياسية وإعلامية وحتى أمنية واستخباراتية.
أهداف عديدة
يؤكد الباحث الاقتصادي اليمني عبدالحميد المساجدي أن "قطاع الاتصالات كان أحد أهم القطاعات التي منحت الحوثيين نقاط قوة في صراعهم ضد الشرعية سواء من الناحية المادية والاقتصادية أو الناحية العسكرية".
ويشير المساجدي في تصريح لـ"العرب" إلى أن "هذا القطاع يعد أحد أهم الموارد المادية والتي تحصلها الميليشيات على شكل ضرائب على شركات الاتصالات ورسوم تجديد التراخيص وتحصيل عوائد مبيعات المكالمات الدولية، وهو ما يفسر حرص الحوثيين على إحكام قبضتهم على هذا القطاع ابتداء من السيطرة على الاتصالات الحكومية والمؤسسة العامة للاتصالات وشركة الاتصالات الدولية 'تيليمن'، وشركة 'يمن موبايل' للهاتف النقال، وصولا إلى مصادرة الشركات الخاصة في وقت لاحق مثل شركة 'سبأ فون' وشركة 'واي' للاتصالات ووضعهما تحت تصرف الحارس القضائي ومن ثم تحويلهما إلى مؤسسات تابعة لشركة شبام الحكومية التابعة للجماعة، قبل أن تستحوذ في الأيام الماضية على آخر شركة اتصالات خاصة في اليمن وهي شركة 'إم.تي.إن' بعد مضايقات كبيرة جعلت من استمرارها في اليمن أمرا مستحيلا".
ويلفت إلى وجود فوائد أخرى يجنيها الحوثيون من سيطرتهم على قطاع الاتصالات في اليمن، حيث يتم توظيف هذا القطاع لصالح أهداف أمنية وعسكرية، سواء من حيث تحديد الأهداف وتوجيه الطائرات المسيرة والصواريخ أو السيطرة على مسرح العمليات بقطع الإنترنت والاتصالات وحتى التنصّت على المعارضين وملاحقتهم.
وعن تعاطي الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا مع سياسية الحوثيين إزاء قطاع الاتصالات، يضيف الباحث الاقتصادي “في مقابل ذلك يمكن القول إن تجربة الحكومة في إدارة هذا القطاع في مناطق سيطرتها غير ناجحة، فشركة عدن للإنترنت على سبيل المثال انتشارها محدود وخدماتها مرتفعة الثمن ولم تكن بمثابة البديل المناسب لتوفير خدمة الإنترنت في المناطق المحررة إضافة إلى أن رسوم خدمات الإنترنت في المناطق المحررة ما تزال تحصل من قبل الحوثيين”.
سيطرة على الاقتصاد
يؤكد محللون يمنيون أن سياسة الاستحواذ الحوثية على القطاعات الاقتصادية في اليمن لا تتوقف فقط عند قطاع الاتصالات على الرغم من الأولوية التي تبديها لهذا القطاع نظرا إلى فوائده الاقتصادية والأمنية.
ويقول الباحث السياسي اليمني همدان العليي إن استهداف الحوثيين لرأس المال اليمني لا يهدف إلى نهب الأموال وحسب، لكن ثمة أهداف أخرى يسعى الحوثيون لتحقيقها من وراء عمليات استهدافهم الممنهج لرجال الأعمال اليمنيين الذين لا ينتمون إليهم، وعلى رأس هذه الأهداف القضاء على القطاع الخاص الذي نشأ في المرحلة السابقة واستبداله بآخر تابع لهم بشكل كامل على أساس عرقي وأيديولوجي.
ويشدد العليي لـ”العرب” على أنه ”خلال السنوات السبع الماضية تضررت كثير من المؤسسات التجارية بشكل كلي وجزئي جراء سياسة الاستهداف المباشر وغير المباشر، ما ساهم في إحكام الحوثيين السيطرة على القطاع الخاص بعدما كانوا قد سيطروا على المؤسسات الحكومية، وهذا يعني في ذات الأمر السيطرة الكاملة والقدرة المطلقة على التحكم في احتياجات السكان ومصالحهم سواء كانت سلعا أو خدمات وهذا ما يسهل عملية توجيههم على المستوى الديني والسياسي”.
ويتابع "يمكن القول إن الحوثيين كوّنوا جيلا جديدا من رجال الأعمال التابعين لهم ممن جمعوا ثروات طائلة من موارد الدولة وممتلكات خصومهم المنهوبة والاحتياطات النقدية في البنك المركزي، فضلًا عن عائدات الأسواق السوداء التي أنشأوها وهذا الوضع الطارد والمنهك كانت نتيجته أن عددا كبيرا من رجال الأعمال وجدوا أنفسهم مضطرين إلى الهروب الكلي أو الجزئي برؤوس أموالهم إلى خارج اليمن، أو الدخول في شراكة مع قيادات حوثية، ومنحهم جزءًا من الأرباح مقابل الحماية وتقديم التسهيلات، أو محاولة التعايش مع ممارسات الحوثيين على أمل عودة الدولة ومؤسساتها".
قمع المعارضين
في تأكيد على أهداف الحوثيين الإعلامية والسياسية من السيطرة بشكل كلي على قطاع الاتصالات والإنترنت في اليمن سواء التابع للحكومة أو القطاع الخاص، يشير مدير المرصد الإعلامي اليمني رماح الجبري في تصريح لـ"العرب" إلى أن وسائل التواصل الاجتماعي مثّلت خيارا بديلا لليمنيين في ظل حالة القمع التي تعرض لها الإعلام الرافض للانقلاب.
ويضيف أن هذه المنصات باتت مصدرا رئيسا للمعلومة لكثير من اليمنيين في ظل غياب القنوات العالمية ومراسليها وبذلك تحول الآلاف من المواطنين إلى مراسلين ينقلون الأحداث لحظة وقوعها.
ويوضح الجبري أن عملية القمع من الحوثيين ضد مخالفيهم جعلت من مواقع التواصل الاجتماعي - على سبيل المثال - متنفسا للتعبير عن توجهات وآراء المتواجدين في صنعاء ومناطق سيطرة ميليشيا الحوثيين، والذين يستخدم غالبيتهم أسماء وهمية أو مستعارة للتعبير عن آرائهم بعد أن تحولت التظاهرات التي كانت تخرج في شوارع صنعاء إلى ما يشبه حملات إعلامية مليونية وصل بعضها إلى الترند العالمي ولفت أنظار العالم حول الجرائم الحوثية.
ولجأ الحوثيون بعد هيمنتهم على قطاع الاتصالات اليمني إلى حجب كل المواقع الرافضة للانقلاب وفرضوا رقابة صارمة حتى على ما يكتب في مواقع التواصل الاجتماعي بعد أن فشلوا كما يقول الجبري في تشكيل رأي عام مساند لهم على مواقع التواصل الاجتماعي من خلال ناشطيهم أو المؤيدين ليلجأوا إلى أساليب مختلفة للسيطرة على الفضاء الإلكتروني بعد وضع أيديهم على مؤسسات الاتصالات والإنترنت التي تتحكم بهذا النشاط الإعلامي الغير قابل للتحكم بشكل كامل.
* العرب