إلى متى هذا الصمت ؟!

منبر عدن - خاص

ليس الصمتُ دومًا حكمة، بل قد يتحول في لحظاتٍ مفصلية إلى سلبية قاتلة، خصوصًا عندما يصمت الناس أمام ما يُهدد حاضرهم ومستقبلهم، وتغضّ الدولة الطرف عن مسؤولياتها، بل تتحول إلى مصدر تعاسة الناس وسبب مباشر في الفوضى والمعاناة. فالدولة التي يفترض أن تكون مصدرًا للأمن السياسي والاقتصادي والعسكري والاجتماعي، أصبحت اليوم أداةً للقمع وإنتاج الأزمات، ووسيلةً لحرمان المواطنين من أبسط حقوقهم المشروعة التي يفترض أن تحظى برعاية وحماية الدولة التي تحولت إلى أشبه بقاطع الطريق.

فهي من تقف خلف صناعة الكوارث التي طحنَت البلاد، وهي من حرمت الناس من الحصول على رواتبهم التي تقطعت بها السبل ، وهي من عمدت على قطع أرزاق الناس والتعدي على حقوق مواطنيها، وهي من تعمدت ترك المرافق الخدمية تنهار واحدةً تلو الأخرى، حتى بات المواطن عاجزًا عن الحصول على أبسط ما يضمن له حياة كريمة. لقد تحول التجويع إلى سياسة، والإهمال إلى منهج، والمعاناة إلى واقعٍ يومي فرضته الدولة على شعبها، فأدخلت المواطن في مربع الجوع والظلام واليأس وأشد أنواع الحرمان الذي لا يطاق ولا يقبل به أي شعب من شعوب هذه الدنيا.

الكهرباء التي كانت تنقطع لساعات، صارت اليوم تنقطع لأيام، وقد يأتي وقت تنقطع فيه لأسابيع وأشهر، ومع ذلك لا تحرك الدولة والمؤسسات التابعة لها ساكنًا:
لا مجلس رئاسي ينهض بواجبه  وبمسؤولياته الوطنية والتي أثبت خلالها فشله في تحمل أي نوع من أنواع المسؤوليات الوطنية التي انيطت به حتى أصبح عبئ حقيقي على هذا البلد المطحون، ولا حكومة تُبادر، ولا مسؤول يربط بين صرخات المواطنين وواجباته الأخلاقية والوطنية. الجميع في سباتٍ عميق وفي حالة لهث دائم وراء مصالحهم الضيقة ووراء كسب المزيد من المال الحرام والمزيد من الثراء الشخصي ، بينما الناس تبحث عن لقمة كريمة وسط كومة من الخراب لتسد بها رمق جوعها وتُصارع على البقاء في ظل انحدارٍ غير مسبوق للخدمات والظروف المعيشية وفي شتى مناحي الحياة.

هذا الواقع المهين يكشف بوضوح تام  غياب الدولة التي لا تحترم نفسها، وغياب مسؤولين لا يملكون ذرة ضميرً أو إحسًاس بالواجب الملقا على عاتقهم. إن من خان الأمانة ( أمانة المسؤولية ) وتخلى عن مسؤولية حماية المواطن لم يعد مجرد مقصر، بل أصبح ( مجرم ) وسببًا أصيلًا في تفاقم الكارثة وتعاظم معاناة الناس: صحة منهارة، تعليم مُهمّش، خدمات شبه متوقفة رواتب متوقفه، وعملة منهارة، وأسعار نار وفي حالة صعود مستمر،ومعيشة انحدرت إلى مستوى لا يليق بكرامة الناس ولا بأدميتهم التي تهان يوميا وأمام مراء ومسمع الجميع والعالم أجمع.

إن استمرار هؤلاء في مناصبهم هو إهانة للوطن، وجرح غائر في وعي الشعب الجنوبي الذي يدفع وحده ثمن هذا العبث الذي بلغ حدود غير مسبوقة.
لقد آن الأوان لنقولها صريحة:
- لا لاستمرار نهب الثروات.
- لا لتقاسم الغنيمة على حساب الفقراء.
- لا لصمتٍ يمنح الفاسدين غطاءً للاستمرار.
فمن أوصل البلاد إلى هذا الدرك، ومن تسبب في هذا الظلم والتهميش، يتحمل كامل المسؤولية عمّا آلت إليه الأوضاع، ولا تبريرَ بعد اليوم للإهمال أو الفساد أو الغفلة التي صاحبت حياتنا طوال السنوات الماضية.

وأمام هذا العبث الذي ينهش في جسد الوطن والمواطن وأمام هذا السيل من الألم، أصبح من الواجب بل ومن المحتم على كل مواطن أن يستعيد كرامته ويطالب بحقوقه المشروعة بكافة الوسائل النضالية والحضارية. فطريق الإصلاح لا يبدأ بالصمت، ولا يُصنع بالانتظار، بل بالمطالبة المنظمة والخروج إلى الشارع والمشاركة الفاعلة في كافة الفعاليات النضالية التي تضع المحاسبة في مقدمة أولويات المجتمع الذي يتوجب عليه اليوم سرعة الأنتفاضة على هذا الوضع المزري والبأس الذي تشكل بفعل عنجهيت وهمجية النظام الحاكم  وهذا الواقع الأليم الذي فرض علينا منذو عقود طويلة.

لقد بلغ السيل الزبى وبلغت الغصة الحلقوم … والشعب لم يعد يحتمل المزيد من الإذلال والمعاناة التي طفح كيلها.
- إلى متى نبقى صامتين؟
إلى متى نسمح لمن يعبثون بحقوقنا وينالوا من كرامتنا ومن كرامة هذا الوطن المستباح أن يستمروا؟
- إلى متى تُداس كرامتنا بلا رد؟
لقد حان وقت اليقظة والاستنهاض وشحذ الهمم … وقت المواجهة السلمية والوقوف في وجه الظلم ومعاقبة الظالم … ووقت استعادة الحقوق بكرامة ومسؤولية من دون ذلك سنظل نعاني من مصاعب جمة وسيظل الفاسدين واللصوص يتربعون على كرسي الحكم ويهيمنون على مقدرات البلاد العباد إلى أن يقضي الله أمرا كان مفعولى.

مقالات الكاتب