مطار عدن الدولي بين الأمس واليوم

منبر عدن - خاص

لم أكن أنوي كتابة هذا الحديث لولا أن زيارتي الأخيرة لمطار عدن الدولي قبل أيام وضعتني أمام واقع جديد يصعب تجاهله، أعرف هذا المطار كما يعرفه كثير من أبناء المدينة.. أعرف صالاته التي عاشت فترات متباينة بين الضغط والإمكانات المحدودة وعرفت كيف كانت الإدارات السابقة تبذل ما تستطيع وسط ظروف صعبة وبيئة تشغيل مرهقة كانت تقف أحيانا ضد أي محاولة تطوير لكن ما رأيته هذه المرة جعلني أعيد النظر في الصورة القديمة كليا من دون أن أنسى حجم الجهد الذي تراكم عبر السنوات ليصل المطار إلى عتبته الحالية

منذ أشهر قليلة تولى هيثم جابر إدارة المطار.. لا أعرف هذا الشخص ولم أقابله قط لكن يبدو أن الرجل لم يأخذ وقتا طويلا كي يظهر أثر وجوده.. يقال إن الرجل حاضر في الميدان وهذا ما يشاهده المسافر قبل الموظف عندما دخلت المطار شعرت كأن المكان خرج إلى النور الأرضيات نظيفة والصالات مترابطة والموظفون يعرفون أين يقفون وماذا يفعلون لكن كل هذه الصورة لا يمكن فصلها عن الأساس الذي وضعته القيادات السابقة رغم التحديات فقد حافظت على استمرارية العمل ومنحت الإدارة الجديدة أرضية يمكن البناء عليها

التحول الأمني هو أكثر ما يلفت الانتباه وجود منظم ورقابة حقيقية وتعامل سريع مع المخالفات لا مساحات رمادية ولا ثغرات مفتوحة الأمن اليوم يتحرك بطاقة متجددة لكنه في الوقت نفسه يستند إلى تراكم خبرة تشكلت عبر سنوات إدارة معقدة لم تكن سهلة على من سبق ولا على من يلحق

من كان يعرف المطار قبل سنوات يدرك جيدا معنى هذا الكلام الأمن سابقا كان يدار وفق المتاح وبإمكانات محدودة وبجهود فردية حاولت أن تحافظ على توازن المكان رغم الظروف بينما اليوم يتحرك بوعي وحضور وتحليل المسافر يلاحظ ذلك من لحظة دخوله وحتى مرحلة ختم الجواز هناك شعور بأن المطار أصبح يملك قراره وأن الفوضى التي كانت تتسلل عبر البوابات لم تعد تجد طريقها بسهولة والفضل في هذا التحسن لا يعود فقط للحاضر بل هو نتيجة مسار ممتد ساهم فيه كثيرون

وفي حدود الساعة كنت أنتظر قريب لي قادم من الخارج لاحظت الفارق في أسلوب الموظفين في الماضي كان كل شيء يواجه تحديات الازدحام وعدم الاستقرار التنظيمي ومع ذلك كان الموظفون يحاولون تسيير الأمور بالحد المتاح أما اليوم الموظف نفسه يبدو أكثر هدوءا وأكثر معرفة سألت أحد العاملين قال لي إن زيارات المدير العام المفاجئة للمواقع جعلت كل موظف يشعر بأن عمله مرصود وأن الإهمال لم يعد مقبولا لكنه أشار أيضا إلى أن التغيير استفاد من جهود سابقة وضعت اللبنات الأولى لإعادة ضبط الأداء وهذه شهادة لا تأتي من فراغ

داخل قسم الشحن بدا المشهد مختلفا أيضا لم يعد المبنى مجرد ممر للبضائع هناك حركة منظمة ومتابعة دقيقة وضبط للأوراق وفي إحدى اللحظات وأمامي دار نقاش قصير بين موظف الشحن وأحد التجار لم يكن فيه انفعال ولا ارتباك كل طرف يعرف ما عليه وما له وهذا بحد ذاته مؤشر على أن الإدارة بدأت تفرض معايير مهنية واضحة لكنها في الوقت نفسه لم تبدأ من نقطة الصفر فالقسم عرف محاولات تطوير سابقة لم تكتمل لكنها كانت خطوة في الاتجاه الصحيح

مقارنة مختصرة بين الأمس واليوم سابقا كان الازدحام صفة ملازمة للمطار المسافرون يقفون في صفوف غير متناسقة وأجهزة الفحص تعمل ببطء والبوابات الداخلية بلا رقابة كافية وبرغم ذلك كانت هناك محاولات دؤوبة لتقليل الفجوة بين الإمكانات والحاجة اليوم الحركة أكثر انسيابا والبنية التنظيمية أكثر وضوحا والمسارات مفعلة من دون ضجيج

سابقا كانت صالات الانتظار تعكس إرهاق المكان لكنها في الوقت نفسه احتفظت بقدرتها على العمل رغم الضغط الكبير اليوم النظافة جزء من المشهد اليومي والهوية البصرية للمطار تستعاد قطعة بعد أخرى

سابقا كانت عملية الشحن تتأثر بالروتين وبضعف الرقابة لكنها بقيت محافظة على الحد الأدنى من الانسجام بين الأقسام اليوم يبدو القسم كأنه خرج من دائرة الجمود إلى بيئة عمل حقيقية

وخلال وجودي في المطار تبادلت أطراف الحديث مع ثلاثة أشخاص لمعرفة رأيهم

الأول مسافر قادم من القاهرة قال لي بالحرف إنه لم ير مطار عدن بهذه الصورة منذ عشر سنوات وإن إجراءات الدخول كانت أسهل وأسرع من المعتاد لكنه أشار أيضا إلى أن المطار مر بمراحل صعبة بذلت فيها الإدارة السابقة جهدا يحسب لها في الحفاظ على استمرارية العمل

الثاني موظف يعمل في أحد المكاتب السيادية داخل المطار أكد أن الإدارة الجديدة شددت على مسألة الاحتفاظ بالانضباط وأنها نقلت الموظف من حالة الفوضى الفردية إلى الالتزام الجماعي لكنه تحدث أيضا عن إرث إداري كان موجودا واحتاج فقط إلى إعادة ترتيب

الثالث موظف في الأمن قال إن الإدارة الحالية منحتهم صلاحيات أوسع للتعامل مع أي اختلال وإن قوائم المطلوبين أصبحت تراجع بشكل يومي وليس أسبوعي كما كان يحدث سابقا لكنه أكد أن إجراءات المتابعة السابقة شكلت قاعدة يمكن التحسين من خلالها

هذه الشهادات وإن كانت مقتضبة فهي تعطي صورة من الداخل وتكشف سبب التحول الذي أصبح المسافر يلمسه قبل أن يسمعه لكنها أيضا تذكر بأن هذا التحول ليس وليد لحظة واحدة بل هو امتداد لمسار شاركت في بنائه إدارات متعددة كل منها ترك بصمته في حدود قدرته

وعندما غادرت قلت في داخلي أن ما يحدث في مطار عدن الدولي اليوم ليس مجرد تحسين في المشهد العام بل إعادة بناء لمفهوم المطار نفسه مكان كان منهكا بالتراخي والفوضى أصبح يستعيد انضباطه وهيبته لكن ذلك لم يكن ليحدث لولا تراكُم جهد طويل بدأ من سنوات مضت واستمر حتى وصل إلى هذه المرحلة إدارة تعرف ماذا تريد وماذا تفعل والنتيجة تغير يلمسه الزائر بمجرد أن يعبر أول بوابة

من المبكر القول إن كل شيء أصبح مثاليا البنية التحتية ما تزال تحتاج إلى استكمال كبير لكن الاتجاه واضح والتحول ملموس والمسافر اليوم يشعر بالفرق بلا حاجة لكلمات كثيرة

مقالات الكاتب