أحداث حضرموت.. قراءة تحليلية

منبر عدن - خاص

الأحداث التي شهدتها محافظتا حضرموت والمهرة خلال الأسبوعين الماضيين فتحت الرأي العام على ثلاث روايات تحليلية، تتأرجح بين فرضيات: التمهيد لانفصال الجنوب، وتسويات داخل الشرعية، وصراع مشاريع إقليمية.

الرواية الأولى: إعلان دولة جنوبية
ترى أن بسط المجلس الانتقالي سيطرته على معظم جغرافيا الجنوب جاء بترتيب دولي وإقليمي، تمهيدا للاعتراف بدولة جنوبية، على نحو يشبه تسليم بريطانيا المحميات الشرقية للجبهة القومية عام 1967م.
لكن هذا التشبيه، رغم جاذبيته التاريخية، يصطدم بواقع دولي مغاير؛ فالمجتمع الدولي اليوم لا يتحرك في اتجاه إنتاج دول جديدة، بل لإدارة مصالحه في إطار الدول القائمة. 
حتى مشروع "الفوضى الخلاقة" لا يهدف إلى إنشاء دول ذات سيادة، بل إلى إنتاج سلطات أمر واقع تكرس التفكيك بلا اعتراف دولي (أرض الصومال نموذجا).
في ظل هذا الانسداد في أفق الاعتراف الدولي يصبح الذهاب نحو إعلان الانفصال من طرف واحد مغامرة محفوفة بالمخاطر، قد تستعيد مغامرة البيض عام 1994م. 
لهذا السبب عاد الحديث داخل المجلس الانتقالي مجددا إلى خيار "الإدارة الذاتية" الذي تم إعلانه ثم التراجع عنه عام 2020م (نموذج كردستان)، بوصفه أقصى حد ممكن في هذه الظروف. وهو في المحصلة مسار أقرب إلى رؤية الإقليمين.

الرواية الثانية: تسوية داخل الشرعية
ترى أن ما جرى في حضرموت والمهرة هو جولة جديدة من نزاع النفوذ داخل الشرعية، على غرار أحداث عدن وأبين عام 2019م، وأن مآلاته ستنتهي باتفاق سياسي، كما في السابق.
بناء على هذه الفرضية، فإن الهدف من العملية ليس دعم الانفصال، ولكن تقليم أظافر بعض مكونات الشرعية، وإعادة ترتيب مسرح العمليات، تمهيدا لقرب الحل الشامل مع الحوثيين.
وبحسب هذا المنظور، ستظل تحركات المجلس الانتقالي محكومة بمنطق تقاسم السلطة وإعادة توزيع النفوذ، لا بمنطق القطيعة الكاملة مع الشرعية.

الرواية الثالثة: صراع مشاريع إقليمية
تنطلق هذه الرواية من وحدة المشهد الإقليمي، وارتباط الملف اليمني بصراع مشاريع إقليمية أوسع، وترى أن أحداث حضرموت والمهرة جاءت كارتداد لتصعيد في ساحات أخرى، كالسودان وغزة.
وتكمن خطورة هذه الارتدادات في أنها كسرت قواعد الاشتباك التقليدية، ولامست لأول مرة خطوطا تتصل بالأمن القومي لدول الجوار اليمني.

منطق السياسة يقول: ليس من مصلحة اليمنيين عامة والجنوبيين خاصة أن يتشكل مشهدهم السياسي في أجواء متوترة مع الجوار، أو أن يزج بقضيتهم الوطنية في صراع مشاريع أكبر منها.
هذا الوضع يعيدنا إلى قراءة تحارب الماضي وأخذ الدروس والعبر منها، خصوصا تجربة يسار الجبهة القومية بعد انقلاب يونيو 1969م، حين جرى ربط مصير الدولة الجنوبية الوليدة بصراع الأقطاب الدولية، والقطيعة مع المحيط العربي، فكانت النتيجة فادحة على الجنوب والمنطقة، ولا تزال الأجيال تدفع أثمانها إلى اليوم.

الخلاصة: نحن أمام صراع مشاريع، ولسنا في مشهد منفصل؛ لذا ينبغي على السياسي الحصيف وصانع الرأي الرشيد أن يضع قضيته في هذا السياق وأن لا تستهلكه حيثيات اللحظة. فجميع خيارات: الانفصال، والإدارة الذاتية، والدولة الاتحادية، وغيرها لن تتخذ أشكالا نهائية إلا ضمن مسار للحل الشامل أو الحسم الشامل في إطار توافق دولي وإقليمي (سوريا نموذجا).

مقالات الكاتب