علمٌ بلا شهادة خير من شهادة بلا علم

منبر عدن - متابعات

لا معنى للشهادة الجامعية إن جعلها حاملها غاية لطلب العلم، ونهاية للمشوار، وودّع الكتاب، وتخلى عن رفقته حين ينالها. والعاقل اللبيب يدرك أن حيازة الشهادات الجامعية وسيلة لا غاية، فهي محفِّز، وبوابة للولوج إلى الجامعات ومراكز الدراسات والبحوث، وأن العلم له طريق آخر، من أراده وبذل لأجله مهجته ناله، وأن علمًا بلا شهادة خير من شهادة بلا علم، ومن جمع بين العلم والشهادة الجامعية فقد حاز الحُسنيين.

ومن ذاق حلاوة المعاناة في البحث العلمي عرف أنه بوصوله إلى "الدكتوراه" قد وضع قدمه على بداية الطريق السريع في طلب العلم، وأن ما سبق من أيامه كان تسلُّقًا في عِقاب كَأْداء، وزحفًا في طرق صخرية كثيرة الحُزُون، قاسية التربة؛ فلا يتوقفنَّ يومئذٍ إلا استراحة محارب، ثم يمضي مُعْنِقًا في سهول العلم، ومجالات المعرفة، وليكن فارس ميدانه في تخصصه، لا يفوته شيء، ولا تغيب عنه شاذّة ولا فاذّة.

ولعل صداقتي لكم التي لا حدود لها تبرِّر لي أن أخبركم أني استلمتُ اليومَ الماضي شهادةَ "الدكتوراه" من جامعة عدن، بعد أكثر من عام كامل على مناقشتي للأطروحة، ونيلي للدرجة العلمية، ولكنّ التأخير هو سيد الموقف في هذه البلاد، ولا مشكلة في أن نحيا ونحن ننتظِر، فكلُّ شيء هنا منتَظَر، حتى الوطن نفسه ضائع منتَظَر!

ولستُ من هواة (الدال)، ولا ممن يروق لهم أن يسمعوا أسماءهم مسبوقة باللقب العلمي، وما كتابته قبل اسمي في حسابي على "الفيسبوك" سوى نزول عند طلب من لا يسعني مخالفته من أهلي، وسأحذفه قريبا إن شاء الله، وإن كان حقًّا مستَحقًّا، ولكني أَطرب حينما أسمع من يناديني (أبا وائل)... كنيتي التي رافقتني منذ شرخ شبابي، وأفيضُ حبًّا وحنانًا عندما أسمع من يناديني من الأولاد والبنات: يا عم، أو يا والد؛ رغم أني لم أقتنع بعد أني كبرتُ، فأمي (حفظها الله) ما زالتْ تناديني بالطريقة نفسها التي سمعتها منها قبل أن أدرك الأشياء، وكلما دبَّت في نفسي مشاعر الكِبَر (وليس الكِبْر عياذًا بالله) تذكرتُ أبي وأمي، وحججتُ إلى حضنيهما، فأعود طفلًا كما كنتُ.

سلامٌ على العلم وأهله، وجعلني الله -تعالى- وإياكم على دربهم سائرين، غير خزايا ولا ندامى ولا مفتونين.

وكتبه نادر سعد العُمَري
عدن في ليلة الإثنين 27 رجب 1443هـ
28 فبراير 2022م

مقالات الكاتب