السعودية.. هذا أمر غير مجدٍ
الحوثيون يشعرون أنهم حققوا انتصاراً منقوصاً لأن "مأرب" لا تزال بعيدة عن السيطرة المعنوية مع ان كل شيء في المحافظة يسير لمصلحتهم، لديهم أطراف محلية في داخل المحافظة، وأخرى حليفة تعمل على تهريب الأسلحة والمشتقات النفطية، الا انهم يرون "السيطرة على مأرب، اعلان معنوي بالانتصار الشامل والسيطرة على أهم الموارد الاقتصادية وطرد حلفاء "التحالف العربي من أخر معاقله".
سيعمل الحوثيون من الآن للسيطرة على مأرب، سيستغلون الهدنة للتجنيد بشكل أوسع وشراء الولاءات القبلية والحزبية بما يضمن لهم اسقاط مأرب دون كلفة، ولا اعتقد انهم سيتأخرون أكثر من شهر على خرق الهدنة والتقدم صوب مأرب للسيطرة عليها.
هم يرون ان الهدنة هي في الأساس استجابة للهدنة المعلنة من قبلهم، لذلك استطاعوا كسب الكثير من القبائل اليمنية التي ترى انهم انتصروا، واليمنيون في العادة يوالون "القوي او المنتصر".
كان بإمكان الحوثيين السيطرة على مأرب خلال العامين الماضيين، لكن كانت هناك عوامل إقليمية أجلت ذلك، وقد حققت هذه الأطراف الإقليمية، بعض المكاسب السياسية، بفضل منع الحوثيين من اسقاط مأرب، مثلا "مصالحة قمة العلا".
لن يلتزم الحوثيون بالهدنة بل يرونها بوابة جديدة للسيطرة على مأرب، لأثبات جدية امام اتباعهم انهم يقاتلون للسيطرة على كل اليمن، او ما يسمونه تحرير كل اليمن من قبضة "المرتزقة".
يرى البعض ان لا مشكلة للسعودية مع الحوثيين اليمنيين، مشكلة الرياض مع طهران، وهذه المشكلة قد تحل في اقرب جلسة تفاوض، فخلال السنوات الماضية لم تضغط الرياض بجدية على قتال الحوثيين وكانت تمد لهم يد السلام دائما، وتطلق المبادرات التي رفضها الحوثيون جميعها، فخلال العام الماضي كانت السعودية تتصرف وكأنها لا تريد تصنيف الحوثيين كجماعة إرهابية.
لذلك يفسر الأمر ان السعودية تفكر في إقامة علاقة استراتيجية مع الحوثيين الذين ترى انهم قد يشكلون امتدادا لنظام المملكة المتوكلية، حليف السعودية السابق قبل الإطاحة به من قبل ثورة سبتمبر 62م.
اللجنة الخاصة التي شكلت عقب الإطاحة بالنظام الحليف خسرت الكثير من الأموال على شيوخ القبائل والسياسيين، لكن في نهاية المطاف لم يقاتل أحد ضد الحوثيين، لاعتبارات "سلالية"، ان الحوثيين جزء من الزيدية الهاشمية والقبلية، لذلك هناك تفكير "في أخذ الكيس برباطه".
ربما ترى الرياض ان تحصينها من أي انقلابات (داخلية)، يكمن في وجود نظام مجاور شبيه، هذا الأمر قد يرى البعض انه مستبعد، لكن هذا لا يعني ان الحوثيين قد يتنازلوا عن "الحكم السلالي"، أيا كان نوع هذا الحكم "جمهوري ملكي"، فهو في النهاية يخضع لهيمنة عبدالملك الحوثي الحاكم الفعلي، الا في حالة تم هزيمة الحوثيين عسكرياً، وهذا أمر مستبعد بهذه الادوات، او نقول في ظل المهادنة.
على المدى القريب "انتفاضات الربيع" ستكون مستبعدة، لكن هذا لا يقلل من خطورة حدوث تحركات في مناطق السعودية الشرقية، والبحث عن كيان "اشبه بالحوثيين"، لذلك مصلحة السعودية ليست في صنعاء على الاطلاق، مصلحة السعودية في إعادة تفعيل التحالفات الاستراتيجية مع جيرانها، بما في ذلك دعم إقامة دولة جنوبية مستقلة، دون ذلك سيظل الخطر الإيراني قائماً، ما لم يتم تغيير النظام في طهران، وهذا من الصعوبة حدوثه على المدى القريب.
فالحوثيون في صنعاء قد يوافقون على "هدنة او ربما تحالف مع السعودية"، وقد يحصلون على الكثير من الدعم الذي سيمكنهم من إعادة ترتيب اوراقهم لكن في النهاية اهم أقرب لإيران من السعودية.
لذلك من المهم التفكير في حلول "خارج الصندوق"، حلول بعيدة عن حلم خلق تحالفات "سعودية - زيدية"، هذا أمر غير مجدٍ الا بما يمكن وصفه "حفظ ماء الوجه" والخروج من هزيمة مذلة.