الهجرة النبوية تاريخ تأسيس أمّة
لم تكن الهجرة النبوية حالة لجوء وهروب مستضعف، وإنما كانت قرارا استراتيجيا هدفه بناء أمة وإقامة دار للإسلام وكيان (دولة)، ولذا استحق هذا الحدث أن يتخذ تاريخا للأمة الاسلامية.
جاء قرار الهجرة النبوية بعدما انسدت كافة السبل لقيام كيان الاسلام في مكة، فقريش رفضته بوضوح: (وَقَالُوۤا۟ إِن نَّتَّبِعِ ٱلۡهُدَىٰ مَعَكَ نُتَخَطَّفۡ مِنۡ أَرۡضِنَاۤۚ)، ثم انسد بصيص الأمل الأخير بوفاة أبي طالب وانتقال السيادة في بني هاشم إلى أبي لهب.
كانت أهداف الهجرة واضحة من النبي ﷺ وهو يعرض نفسه على قبائل العرب في الموسم، فلم يقدم نفسه إليهم كلاجئ مستضعف يبحث عن الجوار ونصرة المظلوم، بل لم يقبل شروط بعض تلك القبائل التي عرضت أن تأويه كحليف سياسي يكون لهم الملك من بعده، فردها ﷺ عليهم بوضوح: "الملك لله يجعله حيث يشاء".
لقد كان ﷺ واضحا في عرضه، فهو يبحث عن قوة تؤمن به وتناصره كنبي أولا، وتسمع وتطيع له كقائد ثانيا، إنه يبحث عن أنصار يبني بهم وبالمهاجرين إليهم أمة من دون الناس، تكون أرضهم دارا لدولة الاسلام وقاعدة ينطلق منها لفتح مشارق الأرض ومغاربها.
استوعبت قبائل العرب العرض النبوي، وعرفت أنها أمام قرار تاريخي ومفرق طريق يجعلها في مواجهة مع سائر أمم الأرض، فاستعظمته وردته كما ردته قريش من قبل، إلا ما كان من وفد الأوس والخزرج رضي الله عنهم، فقد قبلوه وبايعوا النبي ﷺ عليه، وبذلك استحق تاريخ الهجرة إليهم تاريخا لأمة الإسلام إلى قيام الساعة.