قراءة في اعتزام واشنطن فتح سفارتها بصنعاء

تعتزم الولايات المتحدة إعادة فتح سفارتها في صنعاء، في رسالة بالغة الدلالة إن صفحة جديدة في مسار الصراع في اليمن على وشك أن تُفتح، وأن عملية إعادة صياغة المقاربات تمضي إلى غير صالح الشرعية اليمنية حيث تدير واشنطن والسعودية على حد سواء نشاطاً دبلوماسياً أكثر انفتاحاً تجاه الحوثي، وعزلاً لسلطة الرئيس اليمني بما تمثله هذه السلطة من حمولة مكلفة في الحرب والسياسة.

واشنطن دولة لا تتخذ قراراتها من وحي اللحظة، هي تمضي بنقلات صغيرة مخططة وتعرف إلى أي مسار ستفضي.

هكذا بدأتها الولايات المتحدة بوقف بيع السلاح إلى السعودية المستخدم في حرب اليمن، ومن ثم وقف التعاون الاستخباري في ذات الشأن مروراً برفع الحوثي من قائمة الإرهاب والاعتراف به كقوة حقيقية على الأرض، وشريكاً أساس وحاسم في تعطيل أو تمرير أي تسوية، وأخيراً التهيئة لإعادة فتح سفارتها في صنعاء.

هذه الخطوة لا تعني سوى أن هناك قضبان بديلة قد تم تجهيزها لقطار التسوية، وان مساره لا يتقاطع أو يلتقي في نقطة ما مع خط سير الشرعية، وفِي أحسن الأحوال ستكون الشرعية ملحقة في العربة الأخيرة من قطار حل قادم لا يصب بمجمل نتائجه لصالح شرعية تحرق حظوظها ولا تقدم نفسها كقوة وازنة في اي مشروع تسوية.

إذا مضت واشنطن بإعادة فتح السفارة في صنعاء ستلحقها أوروبا ، وهي خطوة ستضاعف الضغوط على السعودية، للخروج من حرب اليمن بمسودة حل ثنائي مع إيران والحوثي، الحدود مقابل الاعتراف وإعادة تركيب لوحة الحكم بشراكة اسمية للشرعية، لضمان حل مستدام قليل التفجيرات محدود الفوضى.

وبشأن الجنوب، الغموض يلف الموقف من القضية الجنوبية، المؤشرات تمضي باتجاه تكثيف المزيد من الضغط على الانتقالي بمحاولة سحب ورقة أحادية التمثيل، وتشكيل كيانات موازية وتعطيل الحوار الجنوبي الجنوبي، وتحويل اتفاق الرياض من إطار حل إلى أداة استنزاف سياسي وقد يعطل القرار في البيت الانتقالي، بل ويثقله بالتزامات إضافية، يحدُّ من استقلالية مواقفه ويجعل الرياض مرجعية لأي خطوة بكل ما تعنيه من عدم حيادية، وانحيازها لمشروع حل تسعى لتمريره بما يخدم مصالحها هي، وإن لم يكن على تماس مع حملة مشروع حل القضية الجنوبية.

ضغوط الخدمات ومضاعفة معاناة حواضن الانتقالي هي مجرد حجر في معمار سد يحاصر حركته، وتبقى المخاوف الحقيقية لدى صناع قرار بيت الانتقالي، إن تعمل السعودية وواشنطن على عزل أبو ظبي عن ملف الجنوب وإعادتها إلى بيت الطاعة السعودية، التي نشك انها غادرته من الأساس، وكل تمايز هامشي يأتي في سياق توزيع أوراق اللعب بمرجعية سعودية واحدة.

بالعودة إلى التلويح بإعادة فتح السفارة الأمريكية في صنعاء، إن أجساماً سياسية سيتم الإطاحة بها بموافقة سعودية، وأن الانتقالي يقاوم الحصار، وإن الشرعية تقترب أكثر نحو حافة السقوط والاستغناء، وإن الحوثي دون سواه بات في نظرهم يمتلك مفاتيح الحل.