أدوات رخيصة في خدمة مخطط واحد

منبر عدن

من يعتقد أن الشرعية والحوثيين على خلاف أو خصومة، فإما أنه غبي أو مخدوع، لا يوجد بينهم خلاف أو صراع حقيقي، هناك تخادم واضح، ومتفقون على ما يجري بينهم في العلن لتمرير ما يحدث في السر.
دعونا ننظر لما يحدث في صنعاء من فساد وتدمير للدولة وضربها تمامًا في وعي الناس، سنجده نفس ما يحدث في عدن، حتى أساليب وأشكال الفساد تشبه بعضها هنا وهناك، في صنعاء تنهب مؤسسات الدولة وتدمر، ونفس الشيء يحدث بعدن، في صنعاء تقطع الرواتب وفي عدن يحدث ذلك، في صنعاء نهب منظم للأراضي والممتلكات العامة، وفي عدن نفس الشيء، في صنعاء جبايات من كل نوع أرهقت التجار والمواطنين، وفي عدن نفس الممارسات، في صنعاء تدمر الخدمات الحكومية، وفي عدن يحدث ذلك، في صنعاء وعدن ايضا أزمات اقتصادية مفتغلة،وارتفاع الأسعار لمختلف السلع بصورة دائمة، واستمرار تعقد الاوضاع المعيشية للناس.

صور وأشكال وممارسات عديدة للفساد والإفساد لا يمكن حصرها، ولكنها في الحقيقة منظمة وممنهجة ومتشابهة، ما يعني أن المخطط واحد، والمخرج واحد، بينما الشرعية والحوثي مجرد أدوات رخيصة، ينفذون ما يرسم لهم، بهدف تدمير الشعب اليمني جنوبًا وشمالًا، وإحباطه ودفعه للاستسلام والرضوخ والموافقة على تمرير مشاريع يتم إيهامه أن فيها الخلاص مما هو فيه من معاناة وأوضاع مزرية، بينما هي تمثل خطورة كبيرة عليه وعلى البلد، وهو ما يجري الترويج له عبر الحوار والتسوية القادمة، باعتباره الحل بين المتصارعين وبين جميع الأطراف، لكنها في الواقع لن تكون إلا وسيلة لتنفيذ المخطط الخارجي في اليمن، كما سيتضح لاحقًا.

في السياسة تتوزع أطراف الصراع المزعوم في اليمن، على عواصم عربية معروفة، طرف ينادي بالنظام الجمهوري ودولة يمنية موحدة، وطرف ينادي بالاستقلال والتحرير وإقامة دولة الجنوب المستقلة، في الوقت الذي يظهر الحوثي من صنعاء يتحدث أيضًا عن اليمن الواحد، ويعمل على تعيين محافظين في المحافظات الجنوبية والمحررة، وكل هذا الذي يحدث عبر الإعلام مجرد تضليل وخداع للناس، لأن كل ما تقوله جميع هذه الأطراف أو الأدوات ليس له أثر او أي مؤشر في الواقع، ولن يتم السماح به، لأن الداعم والمخرج والكفيل لا يريد دولة يمنية موحدة، ولا يريد دولتين، بل يريد دولًا وكانتونات متعددة متناثرة وضعيفة ومحتربة، يسهل السيطرة عليها، وعلى شعوبها، واستمرار نهب ثرواتها ومقدراتها الكثيرة والهائلة، وهذا ما يتم التهيئة له حاليا، و ما يراد تحقيقه عبر التسوية التي يتم الترويج لها منذ فترة طويلة، وما تمارسه الأطراف اليمنية على الشعب من فساد وتدمير وتجويع وإذلال وخداع سياسي وإعلامي يصب في صالح تنفيذ هذا المخطط الخارجي الخطير.

أدوات محلية رخيصة ليس لها مشاريع مستقلة، وإنما يتم توزيع الأدوار بينها لتنفيذ مشاريع الآخرين في البلد، والمستهدف مما تقوم به من فساد وتدمير وتخريب متفق عليه، هو الشعب؛ لإجباره على الاستسلام والقبول بمشاريع الخارج.

 

ماذا ستنتج التسوية؟

التسوية التي يتم الإعداد لها سوف تنتج مشروع الفيدرالية باعتباره مشروع الحل الوسط بين جميع الأطراف، يعني تقسيم اليمن إلى عدة أقاليم، ومن المؤكد أنهم سيفرضون مشروع الستة الأقاليم الذي تم فرضه خارجيًا على المتحاورين في مؤتمر الحوار الوطني آنذاك، ولم يتمكنوا من تنفيذه يومها، لأن الشعب رفضه، ولم يقبل به، فذهبوا إلى الفصل التالي في المخطط، وهو استخدام ورقة الحرب لتدمير البلد واضعافه، وخلق الازمات، من أجل إجبار الشعب مرة أخرى على الاستلام والقبول به كحل للخروج من الوضع الكارثي الذي يعيشه الآن، وقد قطعوا خطوات في هذا المسار كما يتضح مما يجري ويحدث.

نحن لا نهدف هنا لتخويف الناس من الفيدرالية أو الدولة الاتحادية، بالعكس هناك في العالم ما يزيد على تسعين دولة وأكثر تطبق النظام الفيدرالي والاتحادي، ومنها دولة عظمى وكبرى كالولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وروسيا وغيرها، لكن الفيدرالية في اليمن لن تكون حلًا في ظل هذه الظروف، وفي ظل القوى المحلية الحالية التي هي عبارة عن أدوات عميلة لتنفيذ المخطط الخارجي، بل ستصبح مشكلة عويصة ستقود إلى تقسيم البلد لعدة دويلات وكانتونات صغيرة، القوى الحالية ليست مؤهلة إطلاقًا، ستستمر في ممارسة الفساد والخراب ونهب الثروات وحرمان الأقاليم والشعب منها، الأمر الذي سيقود إلى نشوء مظالم هنا وهناك، ستؤدي إلى إضعاف الدولة ومن ثم تفكيكها، ستكون هناك بنود في الدستور الفيدرالي أو الاتحادي سيتعمدون وضعها تسمح للأقاليم بتقرير المصير، للوصول للهدف الذي يريدونه بصورة رسمية وقانونية.

القوى الوطنية والمؤهلة موجودة، لكنها مغيبة ومحاربة ولن يسمح لها الخارج بالوصول للسلطة إطلاقًا، فالأمر يحتاج صحوة ونضالًا مستمرًا، لإنتاج وإبراز قوى وطنية أو رموز وقيادات لديهم مشاريع وطنية مستقلة، تفرض نفسها على الجميع في الداخل والخارج وفقًا لمصالح وطنية متبادلة وشراكات ندية، لا أن تقدم نفسها كأدوات مفلسة ورخيصة لخدمة مصالح ومخططات الآخرين فقط، كما حدث ويحدث حاليا.

ينبغي عدم اليأس والإحباط، ولكن علينا ألا ننتظر الحل من الخارج إطلاقًا، فالحل موجود في الداخل وبيد الشعب، فهو وحده القادر على الخروج وتغيير المعادلات وخلط الأوراق وإجبار الخارج على تغيير وتصويب مخططاته في البلد.

قوى رخيصة في خدمة مخطط واحد، مهما اختلفت مشاريعها وشعاراتها، إلا أنها تنفذ مخططًا واحدًا يهدف إلى تفتيت البلد وتمزيقه، الحل لن يتأخر كثيرًا، سينتفض الشعب، ولكن ليس سلميا عبر اعتصامات ومخيمات وساحات، لأن ذلك يخدم هذه الأدوات ومن يقف خلفها أيضًا، سيخرج الشعب بقوة، وسنراه يضع هؤلاء الأدوات والعملاء في براميل القمامة وفي أنابيب الصرف الصحي، لأن ذلك هو العقاب الوحيد الذي يستحقونه، مع علمنا أنهم يستحقون أكثر من ذلك.

ما يجري في حضرموت، وما يحدث من نزوح بشري إلى الجنوب، وما يحدث من استمرار المعارك في حدود الجنوب، كله عمل منظم ومرتب ومتفق عليه بين جميع الأطراف لممارسة مزيد من الضغوط على الشعب، خصوصًا في الجنوب، للقبول بالحوار والتسوية المدمرة.

ما هو مؤكد أن الجنوبيين الوطنيين سيستمرون في التمسك بقضيتهم الوطنية وعدم التنازل عنها، وسيتمسكون بتحقيق التطلعات والأهداف المشروعة، ولكنهم سيكونون الآن مدركين للعبة والمخطط أكثر من أي وقت مضى، فضلًا عن إدراكهم أن الحل هو بيد الشعب، وليس بيد الأدوات أو بيد الخارج.

التمسك بالقضايا الوطنية من قبل الشعب والقوى الوطنية جنوبًا وشمالًا، وعدم التنازل عنها، هو الذي سيقود إلى تغيير المعدلات، وقلب الطاولات، وإفشال المخطط التمزيقي اللعين.

* رئيس مركز مسارات للاستراتيجيا والإعلام

مقالات الكاتب