الأخطاء الطبية جرائم بلا عقاب

منبر عدن - متابعات

منذ مدة ليست ببعيدة، أبلغ طبيب في مستشفى شهير إحدى النساء أن لديها ورمًا خبيثًا في عينها، وكان يريد استئصاله، لكن وبعد رحلة علاجية بدأت في مصر وانتهت بالهند، تبين أن هناك انسدادًا في الغدة الدمعية فقط، ولكن بعد أن عاشت المرأة وأبناؤها أسابيع من الرعب.

ومع نهاية العام الذي غادرنا قبل شهر، ودع زميل زوجته، بسبب أن طبيبًا شهيرًا، أفتى كذبًا بعدم وجود مخاطر على صحتها، إذا احتفظت بالجنين، ولكنها غادرت الحياة بسبب تصديقها لهذه الفتوى، وتجاهلها تحذيرات الطبيب المعالج في مصر، من الحمل، لأن ذلك سيؤدي إلى وفاتها. واليوم فقدت قريبة لي ابنها، نتيجة كارثة طبية تسبب بها أحد المحسوبين على هذه المهنة، إذ أعطى الطفل أدوية كانت كافية لتدمير مناعته نهائيًا، وعجز من أتوا بعده عن إنقاذ حياته.

 

إذن، نحن أمام كوارث طبية لم تعد حالة نادرة، أو خطًا طبيًا متوقعًا في أي بلد، ولكنها في الطريق لأن تتحول إلى ظاهرة، لأنه لم يعد هناك نقابة تقدس حياة الناس، وتعمل على حماية شرف المهنة، كما لا توجد سلطة تشعر بالمسؤولية تجاه مواطنيها، ولأن الكثيرين من أقارب الضحايا لم يتحركوا لمحاسبة هؤلاء الذين يرتكبون جرائم شبه يومية، أمام القضاء رغم سوء حاله أيضًا.

 

في اليمن اليوم هناك وزيران للصحة؛ أحدهما عينه الحوثيون، وهو خطيب جمعة، ورغم فشله والكوارث الطبية التي تحدث في مناطق سيطرتهم، إلا أنه لم يتخذ أي إجراء، وكذلك نقابة الأطباء يبدو أنها تطبعت بطبع وزير الجماعة المشغول بالضم والسربلة، والوزير الآخر في عدن كل مهمته، إلى جانب السفريات التي لا تنتهي، عقد ورش العمل، واختلاق المشاكل أمام المسافرين اليمنيين من خلاله منحه إحدى الجهات حق توثيق التقارير الطبية، في حين أن مصر التي تستقبل مئات اليمنيين يوميًا لم تطلب هذا الأمر.

 

في واقعة نادرة، أصدرت محكمة في صنعاء حكمًا أدانت فيه أحد المستشفيات الخاصة، وحملته تكاليف نقل الطفل للعلاج في الخارج، وبالتزامن مع ذلك بدأت محكمة أخرى النظر في الدعوى المقامة ضد الرئيس السابق للهيئة العليا للأدوية، بسبب منحه ترخيص استيراد أدوية من الهند، اتضح أنها ملوثة، وتسببت في وفاة بعض الأطفال المصابين بالسرطان، ووفق ما عرفت من أصدقاء يعملون في قطاع الأدوية، فإن اليمن أصبحت “مكب نفايات” للأدوية، والعيادات تحولت إلى مسالخ هدفها جمع الأموال فقط، وغالبية المختبرات تستخدم محاليل طبية رخيصة، ومالكوها يديرون شبكة من المصالح مع الأطباء.

 

تصور أن طبيبًا يطلب منك أن تذهب لعمل فحوصات مخبرية، حتى وإن لم تكن ضرورية، ويحدد سلفًا مختبرًا بذاته، وفي نهاية الشهر يرسل إلى ذلك المختبر قائمة بأسماء المرضى الذين أرسلهم؛ حتى يتسلم عمولته المالية، ولك بعدها أن تعرف أي وضع مأساوي نعيشه، وأي انحدار أخلاقي وصل إليه القطاع الطبي، حتى إنه لم يعد مستنكرًا أن تجد من يقوم بتهريب أدوية مرض السرطان، ونقلها بطريقة تؤدي إلى تلفها، ومع ذلك هناك من الأطباء من يتعامل معهم، ويرسل المرضى لشرائها وبأثمان باهظة، وأمام أعين السلطات.

كان أحد الأصدقاء يعمل في الصين، وأخبرني كيف أن بعض تجار الأدوية اليمنيين يأتون إلى هناك وبحوزتهم أشرطة أنواع محددة من الأدوية غالية الثمن، ويطلبون منه الذهاب معهم إلى مصانع للأدوية، وهناك يبلغون مالك المصنع أنهم يريدون كميات من هذا النوع، ويسلمونه النموذج، وحين يسأل الرجل عن المواصفات والتركيبة الكيماوية، يرد عليه تجار الموت ببساطة: أهم شيء يكون الشكل مطابقًا.

 

الكوارث تتواصل. وإذا لم يكن هناك تحرك مجتمعي لمواجهة ذلك، فإن أخطاء المتطفلين على الطب، والأدوية المغشوشة والمهربة، ستقتل من اليمنيين أكثر مما تقتل الحرب.